كشفت هذه المحنة عن ضعف الدولة وهوان مؤسساتها، آلاف الأجانب من دول الجوار كانوا يعيشون بيننا، بطريقة غير قانونية، يقاسموننا اللحم والحليب والخبز القليل، وبعضهم يعمل في مهن لا تتوفر لأهل البلد، وكثير منهم يتحركون في مساحات مشبوهة، ويهرّبون الموارد الغالية إلى بلدانهم، مثل الذهب والصمغ العربي، دون أي رقابة حكومية، لدرجة أن دول بعينها نهضت على موارد السودان.
ألاف الجواسيس، مئات المجرمين، ملايين المتسولين، وكثير جداً من العطالة، وقليل جداًً من المفيدين، فالسودان بالنسبة لهم زريبة من غير بواب، جنينة وسيدها غائب، تدخل من أي مكان وتفعل ما تشاء وتخرج بسهولة، دون أن يسألك أحد من أنت وماذا فعلت؟ ولاة الولايات يتفرجون على هذه المهزلة كأن الأمر لا يعنيهم، إدارة الأجانب عاجزة، والسلطات الأمنية غير عابئة، ومع ذلك، عندما وجد أهل السودان اليوم أنفسهم في حاجة للهروب من جحيم الحرب، أغلقت دول الجوار ودول أخرى صديقة أبوابها في وجوههم، ونظرت الينا نظرة ازدراء، وبدأ بعضها بتشديد إجراءات الدخول، ومنح التأشيرة، رغم أنه لا يوجد سوداني واحد دخل بطريقة غير شرعية، أو طلب المستحيل، أو ذهب لاجئاً، لكنه الجحود والجبن وقلة المروءة.
حالنا اليوم حال عبد ربه التائه، بطل نجيب محفوظ، عندما سأله الشيخ: كيف تنتهي المحنة؟ أجاب: “إن خرجنا سالمين فهي الرحمة، و إن خرجنا هالكين فهو العدل”.