وكالات : كواليس
القاهرة – من قلب القاهرة التاريخية، ومن بيت أثري بجوار قلعة صلاح الدين الأيوبي وجامع السلطان حسن الشهير، بالقرب من وسط العاصمة القاهرة، اختار ناشطون فلسطينيون ومصريون قبل أسبوع الدفاع عن القضية الفلسطينية بطريقة ثقافية جديدة عبر تدشين منصة “حكايات فلسطينية” للأرشيف الفلسطيني العائلي، بحضور أستاذ الوثائق البارز بجامعة القاهرة ووزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور عماد أبو غازي ورئيسة اتحاد المرأة الفلسطينية آمال الآغا.
وأطلقت منسقة المبادرة، الباحثة المصرية من أصل فلسطيني سمر دويدار، شارة البدء التجريبي للمنصة، بعد شرح ملابسات إطلاق مبادرتها في ندوة مصغرة تحت عنوان “على بلد المحبوب ودّيني” في بيت المعمار المصري الأثري (جهة حكومية ثقافية مصرية).
وافتتح معرض مصور تحت اللافتة نفسها، ضمّ أرشيفا إنسانيا وعائليا توثيقيا لجدها الفلسطيني علي رشيد شعث، في مقدمة لما سمته “متحف الإنسان الفلسطيني” وتوثيق الحكايات الفلسطينية الإنسانية لجميع أبناء الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة والشتات.
وتعد “حكايات فلسطينية” مبادرة متفردة للتوثيق الرقمي للأرشيفات الفلسطينية العائلية، وتعمل على بناء أرشيف شعبي فلسطيني للحفاظ على الذاكرة الاجتماعية للفلسطينيين في أنحاء العالم، وأطلقت في العاصمة المصرية القاهرة في عام 2019، بمساندة عدد من المتطوعين المتخصصين في مجالات متعددة.
صاحبة الكنز
كانت بداية الحكاية مع صاحبة الـ83 عاما، السيدة ميسون علي شعث، “صاحبة الكنز” كما تسميها ابنتها منسقة المبادرة سمر دويدار، إذ كانت هي صاحبة الأرشيف العائلي الأول الذي أهدته إلى ابنتها لتطلق مبادرتها قبل سنوات.
تحدثت ميسون علي شعث للجزيرة نت بينما كان الفرح يملأ أسارير وجهها بسبب الحضور الكبير لتدشين المنصة، وقالت “أنا من ساعدتها على إخراج هذا الكنز، فكرنا خارج الصندوق، نريد أن نقول للعالم إن هناك ثقافة إنسانية فلسطينية متجذرة في تراب هذه الأرض، وكانت خطابات أبي الراحل ورسائله الاجتماعية هي بداية الحلم، ومنذ ذلك اليوم وابنتي غارقة بمعنى الكلمة في ترسيخ بعد جديد للدفاع عن فلسطين”.
وتضيف شعث أن التاريخ الاجتماعي يخاطب وجدان الشعوب الغربية خطابا أفضل من التاريخ السياسي والمظلوميات المتكررة في السياق العام تجاه القضية الفلسطينية، فهناك صور ذهنية جديدة تولد من خلال الخطابات الإنسانية الفلسطينية التي تجمعها ابنتها من تاريخ عائلتها وعائلات الشعب الفلسطيني في كل مكان في ضوء ما يستهدف الموقع الجديد.
وتوضح أن منصة المبادرة خطوة في طريق العودة، مؤكدة أنها واثقة من عودة الشعب الفلسطيني لأرضه واستعادة حقه، لأن جميع الأجيال لم تنس حق العودة وتبذل كل جهد في سبيل ذلك.
متحف إنساني فلسطيني
التقطت سمر طرف الحديث من والدتها، موضحة -على هامش الندوة في حديث خاص للجزيرة نت- أنها أطلقت المبادرة في سبتمبر/أيلول 2019 بعد اكتشافها أكثر من 300 رسالة ووثيقة و600 صورة تخص جدها لأمها وتعود إلى الأعوام (1926-1966)، وذلك جعلها تسعى لتوسيع دائرة المشاركة مع جميع العائلات الفلسطينية في كل مكان، لمواجهة زيف الرواية الإسرائيلية بطريقة اجتماعية إنسانية جذابة للأجيال الجديدة في الشرق والغرب.
وعن تقييمها لمبادرتها منذ التأسيس حتى التدشين الرقمي، قالت سمر دويدار إن “الزخم كان كبيرا ومؤثرا تأثيرا غير متوقع، وصدى الأحداث والتضامن يدفعني يوما بعد يوم إلى استكمال التوثيق والتأريخ الإنساني للشعب الفلسطيني المظلوم، وآخر التضامن قبول بيت المعمار المصري التابع لوزارة الثقافة المصرية إطلاق التدشين الرقمي للمبادرة من قلب القاهرة التاريخية العظيمة”.
وتشير دويدار إلى أنها منذ تأسيس المبادرة تتلقى “أرشيفات عائلية” كثيرة واهتماما متزايدا من أنصار القضية الفلسطينية في كل مكان، وذلك يلقي عليها مسؤولية كبيرة لاستكمال المسار الإنساني في الدفاع عن القضية الفلسطينية، موضحة أن المسار المقاوم والسياسي له وهجه، ومسارها الإنساني له وهجه كذلك وأهله الداعمون، لتتكامل الأدوار في السياق نفسه حتى استعادة الحقوق والأرض.
وتؤكد منسقة المبادرة أن بعدها الإنساني حرّك مشاعر أناس كثيرين في أماكن كثيرة زارتها، ومنها لندن عندما جاءتها شابة بريطانية تعتذر لها عما حدث للفلسطينيين بعدما اطلعت على أرشيف المبادرة الإنساني، من خطابات ورسائل، ووعدتها بمناصرة القضية والعودة إلى أقرانها وشرح ما وقع على الشعب الفلسطيني من غبن.
نحن أصحاب الراوية
من جانبها، قالت رئيسة اتحاد المرأة الفلسطينية آمال الآغا بعد زيارتها المعرض المصور -للجزيرة نت- إن هذه المبادرة “جزء مهم من رواية الحقيقة في مقابل الرواية الكاذبة لإسرائيل”.
وأضافت أن هذه مبادرة “حكايات فلسطينية تقاوم أكاذيب المحتل بالذكريات الاجتماعية والأرشيف العائلي البسيط، في شكله العميق، في دلالته التي تؤكد عمق جذورنا في هذه الأرض وزيف كل روايات المحتل”.
وثمّنت الآغا تدشين المعرض والمنصة في شهر ذكرى النكبة الفلسطينية التي توافق 15 مايو/أيار من كل عام، مبينة أن كل فعاليات المبادرة تؤكد استمرار الحكاية الفلسطينية رغم مرور سنين.
وتكشف أن المرأة الفلسطينية والعربية لم تغادر موقعها الرئيس في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتناقل الرواية الاجتماعية وسرد التأريخ الاجتماعي، وصون مفاتيح العودة بأكثر من طريقة، حتى يتحقق الحلم الفلسطيني ولو بعد حين.
توثيق مهم
وفي كلمته في الندوة، أوضح وزير الثقافة المصري الأسبق عماد أبو غازي أن المبادرة تؤكد تمسك العرب بهويتهم وقضيتهم وأرضهم حتى رجوع الحق للفلسطينيين يوما ما.
وأوضح أبو غازي أن الاعتماد على الأرشيفات الشعبية في التوثيق خطوة مهمة لها تقديرها الأكاديمي وقد بدأت في الغرب وتأخر عنها العرب قليلا، وأهميتها تكمن في أنها تسجل جزءا مهما من الذاكرة عبر الأرشيفات العائلية والشخصية التي يتسلمها جيل وراء جيل، وقال إن ذلك يساعد على كتابة التاريخ والحفاظ على الذاكرة في ظل غياب الأرشيفات الرسمية وتغييبها.
وانتقد أبو غازي ضعف الوعي الأرشيفي على المستوى الرسمي، وقال إن التأخر في هذا المضمار أفقد البلدان العربية كثيرا من الوثائق وجعلها مغيبة في بعض البلدان وغير مسموح للباحثين أو المواطنين بالاقتراب منها أو الاطلاع عليها، حتى باتت كثير من طلبات الاطلاع على الأرشيف القومي تقابل بالرفض.
وثمّن أبو غازي جهد المبادرة في توثيق التاريخ الشعبي الفلسطيني، بعيدا عن التاريخ السياسي الرسمي أو الغربي، موضحا أنه أشرف على تطوير الوعي الأرشيفي للمبادرة منذ بدايتها بالتنسيق مع منسقتها، ويراه جهدا باهرا للغاية يمكن البناء عليه لمشروع أكبر يحمي الذاكرة الشعبية الفلسطينية.
وعن تدشين المنصة، كشف المسؤول الفني المتطوع بالموقع أحمد سعد أنه تعرف بالمصادفة على نشاط المبادرة قبل مدة قصيرة، ولكن شارك في تأسيس المنصة مع فريق تقني متكامل لاقتناعه بجمال الفكرة وجدواها في خدمة القضية الفلسطينية بطريقة جديدة، بعيدا عن التركيز على البعد السياسي والمقاوم فقط، موضحا أن التأسيس التجريبي للمنصة استغرق شهرا فقط من أجل اللحاق بذكرى النكبة وجذب دعم جديد للمبادرة.