1 في الحلقة الأولى من هذا المقال قلت إن التآمر على السودان يجري تحت غطاء (لا للحرب) و(الوضع الإنساني) والتهديد بـ (الحرب الأهلية) والرابع (الأمن والسلم الإقليمي والعالمي)، وبالأمس توقفت عند (لا للحرب)، واليوم ننظر في اكذوبة (الحرب الأهلية)، وننظر في الإفك الذي يردده د.عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق.. ومن غيره.؟قال حمدوك في مؤتمر صحافي عُقد بأبوظبي في 16 أبريل الماضي (إن السودان يمر بظرف عصيب ووضع كارثي جراء الحرب الراهنة، التي تقضي على الأخضر واليابس، مشيراً إلى الوضع الإنساني الكارثي في بلاده)..
انظر لهذا الاستعجال في تعريف ما جرى بأنه حرب أهلية، ولم يمض يوم واحد على حدوث التمرد! كان بمقدور رئيس الوزراء السابق بدلاً من التبشير باندلاع الحرب الأهلية أن يتريث حتى يتضح مدى وعمق ما يجري، فليس تمرد أي فرقة عسكرية أو مجموعة أيدلوجية في الجيوش في ظرف ما يمكن إن يقود بالضرورة إلى حرب أهلية، فعلى سبيل المثال؛ لا يمكن أن نسمي انقلاب هاشم العطا 1971 حرباً أهلية ، قد يتطور انقلاب ما إلى حرب أهلية، وقد يخمد فلا يسمي كذلك، فالحرب تقاس بالمدة الزمنية وعدد الضحايا وتختلف تعريفاتها من مدرسة إلى أخرى، لكن حمدوك لا يمكن أن يتمهل فهو (لاحق السوق) وبحاجة إلى تموضع جديد، فظن أن مجرد فشل انقلاب المتمردين يمثل مدخلاً مناسباً للظهور وللحصول على دور جديد في الساحة السياسية السودانية.أي دور يمكن أن يلعبه حمدوك وأي موقع يمكن أن يخدم به بلاده أكثر من المنصب الذي تربع عليه أكثر من عامين، عندما كان الناس يسمونه (المؤسس)، ويهتفون له (شكراً حمدوك).. وقبل أن ينجز ما يستوجب الشكر.. فماذا أنجز وماذا حقق وقتها كي يحلم بالعودة بعد أن أهدر إجماعاً شعبياً لم يتوافر لسابقيه؟
2 في نيروبي التي وصل إليها حمدوك 2023/4/29 مسرعاً كي ينضم إلى فرقة المتآمرين قال: (إذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية فإن سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة).. انظر يا هداك الله إلى مثل تلك العجلة (البوم البعجبو الخراب).. في أبو ظبي قال وصلنا إلى حرب أهلية وفي نيروبي اننا لم نصلها بعد!!ثم يستنتج أنه إذا وصلنا اليها فإنها ستكون ابشع صورة لحرب أهلية تتفوق على كل مثيلاتها!!أرأيتم كيف يكون استباق الأحداث؟ الهدف طبعا التهويل والتخويف و ارسال رسالة عاجلة للمجتمع الدولي كي يتدخل مسرعاً قبل أن يقع الزلزال المدمر وتفنى قوات التمرد.
3(خبير الخلا) الاقتصادي الذي ترك وظيفة إصلاح الاقتصاد للمتمرد حميدتي عندما كان رئيساً للوزراء يقف خلفه بادب كي يستمع إلى نصائحه الاقتصادية الذهبية.. طالب بتغريدة له في أولى أيام المؤامرة الفاشلة (بوقف فوري لإطلاق النار، يخضع إلى المراقبة لإتاحة السلامة للناس).. وفي التغريدة نفسها طالب (باستئناف العملية السياسية والانتقال إلى الديمقراطية).. مستعجل خالص للعودة إلى الكرسي الوثير!! رئيس الوزراء السابق الذي لم يفتح الله عليه بتغريدة لإدانة تمرد دقلو إخوان هو نفسه الذي سارع إلى إدانة ما أسماه تمرد هيئة العمليات.. التي لم تتمرد أصلاً، ولم تقتل أحداً.. هل يملك هذا الرجل أدنى قدر من الاستقامة السياسية أو الأخلاقية أو الإنسانية يؤهله لأن يكون جزءاً من أي عمليات إنسانية وسياسية؟
4 هم يا صديقي ضياء الدين بلال يقفون الآن عراة أمام الشعب والتاريخ.. وقد تنبأت بهذه اللحظة.. فهل تريد أن تتفرج على الأمساخ وهم في حالتهم تلك؟ إذا كنت ترغب فتلك اللحظة المناسبة.. الآن هم يعملون (كُورَساً) للتمرد ضد جيش بلادهم، مهرولين نحو الأجانب مهطعين مقنعي رؤوسهم وأفئدتهم هواء.. فانظر ماذا ترى؟
5تحت شعار تهديد الأمن والسلم العالمي بدأت الولايات المتحدة عزفها على آلاتها القديمة، وهي العقوبات والتلويح بها، قبل يومين كان السيد وزير الخارجية الأمريكي بلينكن يقول إن ما يجرى في السودان (شأن داخلي)، وفجأة تحول ذات (الشأن الداخلي) إلى مهدد للأمن القومي الأمريكي عند البيت الأبيض، ثم سارعت الولايات المتحدة للاصطفاف مع القوى الداعية لوقف الحرب فورا والعودة إلى المسار السياسي!!
تم ذلك بعد اتضح أن مسرح العمليات في السودان يميل لصالح الجيش، وبما أنهم لا يرغبون في هزيمة ساحقة للمليشيات المتمردة سارعوا إلى التلويح والتهديد بسلاح العقوبات.. الغريب أنهم في الوقت ذاته يعلنون أنهم جزء من المبادرة (السعودية الأمريكية) لوقف الحرب.. تساءل الدكتور مزمل أبو القاسم كيف يمكن أن تكون وسيطاً نزيها وأنت تهدد من تتوسط بينهم بالعقوبات؟
6حينما عجزت بريطانيا عن تمرير مشروع قرارها في مجلس الأمن ذهبت الان إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، في محاولة لإصدار قرار يدين الجيش السوداني ولا يقول كلمةً واحدة عن انتهاكات المتمردين، ولا الفظائع التي يرتكبونها في حق المواطنين.
7يعمل تحالف المتآمرين بتناغم مريب من نيروبي، يقوده المتآمر الأول (الرئيس الكينى روتو) صديق المتمرد حميدتي، ثم إلى أديس وثلة المتآمرين هناك بقيادة ما أسموه (الآلية الموسعة التي ظهرت فيها الرباعية فجأة وهي سبب الكارثة)، وبحمد الله فشل أول اجتماعاتها يوم أمس الأول، وعلى صعيد مجلس الأمن تقود تآمر واشنطن الناشطة مساعدة وزير الخارجية للشئون الإفريقية (مولى في)، في جنيف تجتهد بريطانيا في مجلس حقوق الانسان لإصدار قرارات ضد السودان وليس ضد المتمردين، تحت ستار كل تلك التحركات والضغوط يحاول الحلف المتآمر أن يسوِّق مبادرة ما لإخضاع الجيش ولاستنقاذ المتمردين من خطر السحق النهائي.
8سنرى في مقبل الأيام كيف ستتعامل قيادة القوات المسلحة مع تحالف المتآمرين، خاصةً وأن معسكر المتآمرين تتعدد وسائله للوصول إلى أهدافه الخبيثة، ومنها الضغوط الخشنة (التهديد بالحرب الأهلية) او العقوبات والضغوط الناعمة السامة التي تنتج في غرف التفاوض..
لا يخشى الشعب على جيشه أن يسقط في ميادين المعارك قدر خشيته ان يقع في فخاخ التفاوض.. الله غالب.