وكالات : كواليس
باريس- لا يخفى على أحد أن لتاريخ مصر القديمة سحر خاص يُعجب به كثيرون حول العالم؛ إذ استطاع الجمع بين الإرث الحضاري والثقافة والفنون والملوك، خاصة الملك رمسيس الثاني الذي كان له تاريخ حافل وتوسعات امتدت إلى حدود الصين.
ووصل نعش باني مصر الفرعونية الشهير إلى العاصمة الفرنسية باريس ليحل ضيفا فيها إلى غاية السادس من سبتمبر/أيلول المقبل في معرض استثنائي يضم 180 قطعة من مصر القديمة في قاعة لافيليت، تحت عنوان “رمسيس – ذهب الفراعنة”.
القوة والثروة
تبدأ رحلة الزائر لهذا المعرض بسنة 1304 قبل الميلاد في مدينة ممفيس القديمة، حيث اعتلى العرش ملك جديد سيصبح الفرعون الأطول حكما في التاريخ والحاكم الثالث للأسرة الـ19، لتعكس مسيرته رمز القوة والثروة وإحلال السلام وتوسيع حدود البلاد.
وتستحضر قاعة لافيليت مختلف المعابد والتماثيل والحلي التي تركها حاكم مصر شاهدة على فترة حكمه، فضلا عن مقاطع فيديو تشرح مراحل تحنيط الفراعنة وأخرى تحكي تفاصيل معركة قادش، في روسيا الحالية، ضد تحالف الإمبراطورية الحيثية.
كما يقدم المعرض تجربة واقع افتراضي تسمح بزيارة معابد أبو سمبل وقبر الملكة نفرتاري في مغامرة مثيرة تجمع بين التاريخ والتكنولوجيا.
ومن معابد أبو سمبل إلى الكرنك، ومن أهرامات الجيزة العظيمة إلى وادي الملوك التي تعد واحدة من أكبر مناطق الاكتشافات الأثرية بعلم المصريات خلال القرنين الماضيين، نكتشف حضارة عريقة تعود إلى 3 آلاف سنة.
وقال وزير الآثار المصري الأسبق وعالم الآثار، زاهي حواس، في حديث للجزيرة نت إن “رمسيس الثاني يعتبر أعظم ملك حكم مصر. استخدمنا العديد من القطع الأثرية لتتبع تاريخ مصر”، مشيرا إلى أن هذا المعرض يعمل على تسليط الضوء على الفترات المحورية التي سمحت للفرعون العظيم بدخول التاريخ من أوسع أبوابه.
وإذا كان نعش رمسيس هو نجم المعرض، فسيكون بالإمكان أيضا اكتشاف قطع أخرى لا تقدر بثمن، بما في ذلك العقد الذهبي للفرعون بسوسينيس الأول الذي يزن أكثر من 8 كيلوغرامات. بالإضافة إلى قناع ذهبي للجنرال أونديباوند وقناع جنائزي للملك أمينموبيت.
فرنسا ومصر.. ارتباط ثقافي قديم
بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار المصرية ومعارض التراث العالمي، سيزور التابوت، الذي كان يحمي مومياء الفرعون لآلاف السنين، 10 مدن خلال جولة دولية بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مع المعرض الأول في متحف العلوم الطبيعية في هيوستن الأميركية ليصل إلى آخر محطة له في سيدني، أستراليا.
وتحظى الحضارة المصرية القديمة بمكانة خاصة في فرنسا. يكفي أن نذكر الجناح الخاص في متحف اللوفر الباريسي كمثال.
وأوضحت دومينيك فروتي، عالمة مصريات والمستشارة العلمية للمعرض، مدى ارتباط واهتمام الشعب الفرنسي بتاريخ مصر، وقالت “الفرنسي يعرف خوفو لأن الجميع يعرف هرم الجيزة الأكبر، ويعرف توت عنخ آمون بفضل الكنز الجنائزي الذي اكتشفه هوارد كارتر في وادي الملوك”.
وعن رمسيس الثاني، قالت فروتي للجزيرة نت إنه “شخصية مميزة ولها ثقل تاريخي وسياسي لا مثيل له. ويمكننا أن نقارنه بالملك لويس الرابع عشر أو كما كان يلقب بملك الشمس في فرنسا”.
وتعود عالمة المصريات الفرنسية بحديثها إلى عام 1976 حيث استقبلت مومياء رمسيس الثاني مع مرتبة الشرف التي يحصل عليها في العادة رؤساء الدول.
وتضيف “يُقال إن المومياء كانت ستحصل على جواز سفر دبلوماسي آنذاك. وبغض النظر عما إذا كان حقيقيا أم لا، فالأكيد أنه لم يتم استقبال أي حاكم قديم بكل هذه الفخامة والبهاء”.
ويعود تابوت رمسيس المصنوع من خشب أرز لبنان إلى باريس بعد 47 عاما من الغياب ليكون النجم الأيقونة في هذا المعرض؛ من أجل أن يكمل سلسلة المعارض التي تستضيفها العاصمة الفرنسية احتفاء بتاريخ الفراعنة.
وبعد النجاح المبهر الذي حققه معرض “توت عنخ آمون، كنز الفرعون” في عام 2019 بما يقرب من مليون ونصف زائر خلال 6 أشهر، من المتوقع أن يحطم معرض رمسيس رقما قياسيا أيضا حيث بيعت 145 ألف تذكرة حتى قبل افتتاحه يوم الجمعة الماضي (السابع من أبريل/نيسان الجاري).
علم المصريات.. علم “فرنسي” منذ قرون
منذ الحملة الاستكشافية المصرية في عام 1799، يُنظر لعلم المصريات على أنه “علم فرنسي” بالدرجة الأولى نظرا للبعثات الكثيرة وأسماء المستكشفين الفرنسيين البارزة في هذا المجال.
ويعود هذا الاهتمام الفرنسي بمصر القديمة إلى حملة نابليون التي منحت العملية العسكرية المؤلفة من أكثر من 30 ألف جندي -والتي كانت تهدف إلى غزو مصر وإخراج الإنجليز- طابعا علميا واستكشافيا بفضل 160 باحثا.
ويؤكد مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار -في مقابلة للجزيرة نت- عمق التعاون الثقافي بين البلدين في هذا التخصص، خاصا بالذكر “جان فرانسوا شامبليون الذي فك رموز الهيروغليفية قبل 200 عام باستخدام شاهدة تم العثور عليها خلال حملة نابليون”. في إشارة إلى حجر رشيد الذي نقش عليه 3 نصوص مكتوبة بالهيروغليفية والإغريقية القديمة، مشكلا بذلك أول وثيقة ثنائية اللغة.
كما ساهمت الموسوعة الأولى التي قدمها العلماء من 1810 إلى 1826 في إحياء “الشغف المصري” في فرنسا وباقي الدول الأوروبية بدون استثناء.
وأثنى وزيري على جهود “250 بعثة أجنبية من أكثر من 25 دولة مهتمة بمصر القديمة، 54 منها قادمة من فرنسا”.