كثيرا ما توقفت، في مراحل الدراسة الباكرة، عند سيرة الصحابي الجليلٌ ابو ذر الغفاري رضي الله عنه باعتباره ممن اثاروا بعض الحراك في مجتمع المدينة ذاك’ و لعله بوقوفه الي جانب الفقراء و المستضعفين و المحتاجين قد اثار لغطا كثيفا مثل الذي يثار الان حول ذات الموضوع.
و يخالجني الشعور و تنتابني الهواجس، منذ ذلك الحين و واحيانا، الي الان انه رضي الله عنه قد سبق زمنه و استشرف زمانا حديدا و مجتمعا سيأتي به كل الخير الذي امن بنبيه صلي الله عليه و سلم.
و ذلك الشعور هو ان ابا ذر اول من دعا الي الا شتراكية الحقة في تلك الصحاري ’ و نادى بالحرية و العدالة بين الفقراء و الاغنياء على حد سواء’ بل لعلي لا امضي بعيدا ان قلت ان الغفاري كان في واقع الامر و مقتضى الحال (بروليتاري) ان جاز التعبير’ على الرغم من عدم وجود ما يمنع ان يكون جائزاً خصوصاً و انه طبق ذلك على نفسه اولا و انفق كل ماله للفقراء لدرجة ان قوما زاروه في منزله المتواضع على اطراف المدينة و لم يجدوا فيه اثاثا او رياشا ’ فقالوا له (نحسبك يا ابا ذر مرتحلاً) و هم لا يعلمون ان هذه حالته منذ ان اسلم(الاسلام الجد جد) و ليس اسلام تجارة الدين و فقهاء السلطان و حاشية الوالي الفاسدة’ و ليس اسلام البزنس و الربا و الصفقات المشبوهة ’ و بالطبع ليس كاسلام القطط السمان جدا و التحلل و فقه السترة و غيرها من افتراءات الذين تاجروا بكل مقدس، و تجد احدهم يرفع صوته المنكر بالكواريك و البكاء المصطنع علي المنابر و مطعمه خرام و مشربه حرام، فاني يستحاب له.
و ادي ذلك ان ضاقت علينا الارض بما رحبت ففصلنا نصف وطننا’ و اصبحنا بعد ذلك من النادمين و المفلسين ايضاً.
كما تقاذفتني الواردات، بين الفبنة و الاخري، حول من قال( عجبت لمن لا يجد قوت يومه’ لم لا يخرج على الناس شاهرا سيفه) ’ و هل لو كان بيننا الان سيتهم بانه شيوعي او خائن او عميل ؟؟
و هل تعتبر دعوته تلك دعوة للتخريب و 0(حرق) ممتلكات من (حرقوا) افئدة الاباء و الامهات منذ سنوات خلون و لا يزالون؟؟ لدرجة ان اصبح في كل بيت سوداني ام ووالدة مكلومة على ابنها المهاجر و المغترب و النازح و المريض و المصاب و المفقود و المحبوس و القتيل ايضا, و اصبح في بلادنا الجريحة خنساوات كثر ينشدن كلهن:
قذي بعينيك ام بالعين عوار’ ام ذرفت ان قد خلت ما اهلها الدار
تبكي خناس على صخر و حق لها اذ رابها الدهر ان الدهر ضرارٌ
هي الاقدار في تصريفها دولُ وواردُ ماء ما في شربه عارُ
هل ستتعجب يا ابا ذر ممن اكتنزوا و نهبوا و سرقوا الاموال و الذهب و الفضة و بنوا بها القصور الشامخات و الحسابات البنكية الحنيذة و اقتنوا الفارهات هنا و هناك؟
هل ستحمل يا اباذر سيفك وسط طوابير الخبز و الوقود و الجازولين و الصرافات و البنوك’ ام سيتم رفع امرك الي صاحب الشرطة و قائد عسس الوالي المكرم و ينفوك او يسجنوك كما حدث لك و انت تقضي ايام نفيك في الربذة؟؟ ’ عندما حدث لك ذلك سابقا.
ام انك ستحمد الله بكرة وعشيا انك لم تكن معنا في ايام السؤ النحسات هذه و التي ابتلانا الله بها كسنين حسوما و صرصرا عاتيه ’ لترى الناس جوعي و صرعي ’ بعقول مريضة و بطون خاويه؟
علي انه من الغريب و بعد قرون من ذاك الزمان’ اتى في فرنسا قبيل الثورة الجامحة’ رجل فقير معدم و بائس يسمى(جان فالجان) بقصته الشهيرة و كون ان جوعه دفعه لكسر فترينة و سرقة الخبز لاكله مختلطا بدماء جرحه النازف’ و ليزج بعدها في سجن الباستيل الشهير و لمدة عشرين عاما لهذه (العيشة الواحدة)؟، كما في رواية فيكتور هوجو الشهيرة.
و لعل جان فالجان سيتعجب ان راى الان من يسرقون السكر لمدة عشرين عاما و يتم حبسهم لايام و يطلق سراحهم ليواصلوا السرقة مرة اخرى’ و اخرين يضاربون في الدولار و الدواء و الجازولين و يدفعون تسويات و متاخرات ’ دراهم معددوات و يعودوا لسابق عهدهم لسرقة اللقمة من افواه الايتام و الارامل و الجرعة من افواه المرضى و نقطة البنزين و الجاز من الزراع و الصناع؟
و ممن يقيمون الورش، و اللجان الوهمية و التي لا تقدم اي جدبد، لينالوا من خلفها الاوطار و الاسفار و الدولار ايضا من تجار الثورات و ادعياء النضال و الكفاح المزيف و خداع الشعب بالشعارات و الهتافات مدفوعة الاجر.
و كاني بجان فالجان يذهب لاحد المخابز و هو جائع لكسر و سرقة الخبز، فلا يجد خبزا من اساسهو’ و لا يجد سوى تغريدات و صدمات كبير القوم المزعومة و الذي(فات الكبار و القدرو) في كثرة الكلام و التصريحات و التنظيرات و الاحلام الجوفاء و (المخستكة) و التي لا تسمن من جوع و لا تقي من برد.
عذرا يا جان فالجان لاننا لم نطعمك, و لكن انتظرنا فنحن في الصف’ و بعدها يمكنك سرقة الخبز و بعدها عليك بلانتظار ايضا في صف الوقود حتى يتم ترحيلك الي الباستيل و الذي لدينا من الكثير و على (قفا من يشيل)’ و انت في طريقك للحبس ستشاهد (ماري انطوانيت السودانية) و التي و يا للعجب لدينا اكثر من واحدة في كل وزارة و هيئة و مجلس و جمعية خيرية’ و ياكلون الناس و اموال الدولة بدلا عن الجاتوة.
و الحق ما اقول لكم ’ يا ليت حظنا كان مثل ابي ذر و فالجان’ فانما نحن البؤساء حقا’ و لكن يبقى السؤال : الي متي يستمر بؤسنا؟