(1)
ليس مهما التأجيل في حد ذاته ، فإذا لم توقع الأطراف المتشاكسة اليوم ، فإنها (مضطرة للتوقيع)بعد إسبوع أو إثنين ، وإنما المأساة في التعامل مع قضايا وطنية كبرى وتحديات مرحلة بنظرة قصيرة ومنطلقات فطيرة ؟.. كيف جاز للمسارعين لإختطاف القرار السياسي والوطني في البلاد تقييم هذه الاحداث وتحديد المواقيت بينما قضايا كبرى لم تحسم ، مثل قضية الدمج هذه ؟ ومثلها قضايا كثيرة تم المرور عليها لاهثين ، مثل قضية الإصلاح القانوني والعدالة الإنتقالية وإستحقاقات السلام وقضية الشرق ، وكلها بذات ضخامة قضية ، الفرق الوحيد أن أطرافها الفاعلة خارج دائرة الإطاري..
هذه الحادثة لبعدين مهمين : أولهما نقص الخبرة السياسية وفهم تعقيدات الواقع السياسي وصعوبة أمر الحكم ، لقد فشلت قوى الحرية والتغيير بكامل قواها السياسية في إدارة الشأن العام طيلة عامين (2019-2020م) ، وقدمت أسوأ تجربة سياسية في تاريخ البلاد في كل الجوانب (الإقتصادية والأمنية والسياسية والخدمة العامة والنزاهة وغياب حكم القانون ) لخصها د.عبدالله حمدوك رئيس الوزراء في بيانه الشهير 30 يونيو 2021م (نكون أو لا نكون) .. بل حدد ابعاد الخلافات (مدنية – مدنية ) و (مدنية عسكرية) و ( عسكرية – عسكرية) ، وما طفح على السطح الآن هو جانب من أزمات كبرى غطى عليها غشاوة الحصول على السلطان..
والنقطة الثانية هو غياب المسوؤلية السياسية ، والوعي بالتحديات الراهنة وتحقيق غايات حزبية وأجندة أجنبية على حساب الوطن وأمنه وإستقراره ، فهذا السير الغشيم في مسار العملية السياسية دون إستصحاب أسباب نجاحها هو عبث لا أكثر ؟..
حكومة منتظرة تواجه في يومها الأول الإغلاق في الشرق والشمال والوسط ، ولم تتحسب لقضية السلام ولم تتوقف التظاهرات ولم ولم .. ما أسباب الحرص عليها دون تحجيم المخاطر بقليل من التنازل وتوسيع القاعدة ، وقد ضم مركبهم مكونات وهمية وزائفة وواجهات خادعة..
(2)
ثم إن هذه الحالة تثير أسئلة ملحاحة:
- لماذا التكتم على اسباب الخلاف والنزاع..؟
- وأين فريق التواصل في إدارة النقاش بين الأطراف وتحسس مظان (عقدة المنشار) للوصول لنقطة تقارب قبل أن الإصطدام ؟..
أليس محيرا أن تأتى الأطراف المختلفة لقاعة الصداقة في ختام ورشة الإصلاح الأمني والعسكري دون ان تدرك إن ثمة أطراف أصيلة لم تتفق ؟ لو أن هناك إدارة فاعلة ذات حس سياسي ربما ادركت تباعد الموقف وتدخلت بالتمديد والتأجيل بسلاسة دون إدخال البلاد في هذه المزالق وإثارة القلق..
ومن الواضح أن حديث الأمم المتحدة ممثلة في اليونتاميس والالية الثلاثية عن المساعدات الفنية وورش العمل عن التفاوض لم تؤت ثمارها ، بل مجرد أحاديث ومناشط تسلية وتزجية فراغ وإكتساب مردود مادي ، فمن الواضح أن الناتج صفر كبير..
ثم أليس من حق المواطن العادي في زمن الشفافية والوضوح معرفة التفاصيل الدقيقة واسباب الخلاف ؟..
لم تعد الامور سرية ، فقد شارك وخاطب وشهد في الورشة عشرات النشطاء وعدد من الخبراء الأجانب وسفراء وممثلي احزاب ، فكيف تم حرمان المواطن من الإطلاع علي الحقائق ، ناهيك عن التفاصيل ..
لقد سمعت اللواء فضل الله برمة يعتذر للدبلوماسيين ولكنني لم اسمع إعتذارا للمواطن ومصيره مرتبط بهذه التداعيات..
أن هذه الحادثة جزء من أزمة كبرى لن تفلح معها المداراة والتقية ، ومن الأفضل مواجهتها بوضوح وشفافية وشجاعة.. إن (الشلل) والتحالفات القصيرة لن تقود وطن..
وإن عجبت لموقف المؤسسة العسكرية مع معرفتها وقراءاتها للواقع ، فإن المحير أيضا موقف التيار الإسلامي والوطني في انتظاره البناء على أخطاء الآخرين مع ادراكه أن هذا المسار يقود لمأساة وطن.. ولنا في ذلك عودة إن شاءالله..
وخاتمة القول فإن هذا الإتفاق الإطاري استند على قاعدة هشة ، وبذرة فاسدة ، وما ظهر مجرد ملمح لا أكثر ، وذات داء التجربة السابقة قائم وبصورة أكبر ، وغياب القرار الوطني أكثر بروزا والاجندة الحزبية والمطامع الشخصية أكثر حضورا ، وحول قضايا الحكم ، رئيس الوزراء وسلطاته والوزراء وخلفياتهم (حزبيين أم تكنوقراط) ، انها فعلا مأساة وطن..