بعد المقال السابق تلقيت رسائل عديدة بعضها يقول ان الورشة الأخيرة أظهرت خلافاً حقيقياً بين الرجلين ، وان العسكريين إنسحبوا وانه تم تأجيل التوقيع …، خلاصته مطلوب إعادة قراءة المشهد !
بصدق حاولت ان ارى بزاوية اخرى ، لكن من كل الزوايا ، تعززت وجهة نظري ، ما أظهرته الورشة هو خلافٌ بين القوات المسلحة والدعم السريع ومن خلفه قوى الحرية والتغيير وليس بين الرجلين !! وسواء السبت او الاحد او بعد اسبوعين سيتم توقيع الاتفاق … فما يجري هو تكنيك تفاوضي معروف يسعى من خلاله الفاعلون الرئيسيون الذين يمثلهم ممثل الأمين العام المتحدة ورئيس البعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان د. فولكر بيرتس الذي تحول من مسّهل وداعم محايد الى فاعل رئيسي وجزء محوري في الازمة التي تكاد تعصف بالبلاد ، ليصبح السودان هو الدولة الثانية التي يشعل فيها الرجل حرباً اهلية ويمضي الى بلاده مستمتعاً بمخصصاته ينتظر دولة جديدة ومحرقة جديدة !!
لقد حوّل بعثة الامم المتحدة الى دور اقرب الى لكونها بعثة وصاية على بلد خاضع للانتداب !!
نعود للتكتيك التفاوضي الذي يسعى من خلاله المؤثرون المتنفذون أعلاه إلى الوصول بالاطراف الى نقطة وسطى ، يتنازل فيها كل طرف عن شروطه ليتقدم نحو الاتفاق الذي يريدونه خطوة !! والمعني هنا هو قضية الدمج حيث يصر الجيش على عامين بينما يريد الدعم عشرة أعوام وتحدث بيرتس عن ستة أعوام ! وسيتم الاتفاق على ستة اعوام ، ومعالجة الخلاف حول من يرأس اللجنة التي يريد الجيش رئاستها كما اعتاد طوال تاريخه منذ ” الانانيا ون ” ، بينما يصر الدعم السريع على ان يرأس شخص من الحكومة المدنية لجنة الدمج !! ، والمسأله الاخيرة تتعلق باشتراط الدعم السريع إصلاح الجيش اولاً قبل مباشرة عملية الدمج وذلك بتنقيته ممن اسماهم الاسلاميين ..ولديه قوائم تحوي حوالي الألفي ضابط ! سيتم الوصول إلى حلول وسطى بمنح الجيش رئاسة اللجنة ليختار احد المعاشيين ، بينما يلتزم بانهاء خدمة اعداد يتفق عليها من ضباطه الذين يثيرون قلق الدعم السريع !!
هذه التسوية ستحقق مكاسب لقائد الجيش وليس للمؤسسة ، و سيتم خلال هذه المرحلة امتصاص حماس الجيش !! ..او وضعه امام الامر الواقع بإجراء التوقيع الذي يمنح الدعم السريع مشروعية الجيش الموازي . .
وهذا هو السبب في عدم اهتمام قوى الحرية والتغيير أو الدعم السريع بما اسموه ” هوجة العسكر ” .. فهم يثقون في ” البرهان ” الذي يقولون بثقة “أنه سيوقع “! فإجتماعاته معهم لم تتوقف ولا اتصالاته بهم ولم ينقطع تواصل مناديبه معهم ، ولذلك انشغلوا بمعركة اهم بالنسبة لهم وهي اختيار رئيس الوزراء .. والتشكيلة الحكومية ..وانشغل الدعم السريع بتحديد نصيبه وفرض شروطه في عملية قسمة النفوذ مع الجيش القديم !!
بعد أسابيع قليلة سيجد البرهان أنه يقف بين الضباع اعزلاً ..ولكن لات ساعة مندم.