ما عادت تصريحات ولا مواقف (الجنرال حميدتي) محل إحتفاء ولا مثار دهشة برغم غرابتها وتناقضها البيّن فالقول وضده والموقف ونقيضه صارت الصفة الملازمة والسمة المائزة للرجل دون توقف منذ توليه المنصب السيادي الرفيع بالدولة ..
ويرجع ذلك في (رأيي) الي عدم إكتمال النضج والبناء الفكري والسياسي لحداثة التجربة وتأخر بدايات خوض معترك السياسة ودروبها شديدة الوعورة في وطن يتنفّس السياسة والمعرفة ويزدحم بالازمات والحوادث والبلاء ..
وكان التحدي (الكارثي) الذي وضع نفسه بإلحاح في مواجهته (والبلاد) و كان مفاجأة التاريخ نفسه (تموضعه في كرسي الرجل الثاني) قدرا لازمًا وأوجدته أيادٍ اقليمية تسخيرًا لاهدافها وقد مثّل اعظم امتحان لاختبار قدراته ومهاراته في القيادة وادارة شؤون الحكم علي تواضعها ومحدوديتها لتخطي حواجز المقبولية والرضا النسبي عند الشعب والرأي العام ؛ ولِنَهَمٍ سلطويٍ جُبِل عليه وتهافُتٍ علي كل موقع ذي بال وطّن نفسه عنده إختطف (قيادة ملف السلام) والشعب لم يفِق من صدمته الأولي بعد ؛ وحتي اللحظة لم اعثر علي الدوافع والمسوغات الموضوعيّة للقرارين !!
وجنوح الحاكم منّاوي ودكتور جبريل والقائد عقار للسلام وركاب الوطن اكبر انجاز بل هو الانجاز الاوحد ما بعد إنقلاب ابريل ٢٠١٩م .. ولكن تضمّنت إتفاقية سلام جوبا معضلات ومشكلات اوجدتها من العدم تظل عصيّة علي الحلول .. مثل (بدعة المسارات الثلاثة) بمناطق تخلو من النزاعات ففجّرت قضية شرق السودان وعلت الاصوات الاحتجاجية المطالبيّة والمناطقية بالشمال والوسط وكل فج .. وشوّهت نظام الحكم الاتحادي اللامركزي باستحداث مستواً رابع (الاقاليم).. وصنعت حركات وهمية كرتونية لاوجود لها في الميدان مثل حركة الطاهر حجر الذي لا يعرف جغرافيا دارفور نفسها وحركة الهادي ادريس التي تشكّلت قبيل التوقيع بشهور معدودة .. ثم احتكرت كل نِسب وانصبة (السلطة والتوظيف) وإستحقاقات إنسان المناطق المتاثرة بالحرب علي الموقعين فقط بالحركات (دارفور-النيل الأزرق- جنوب وغ كردفان).. وهنا أشير الي تجاوز ما أقرته وارسته إتفاقية نيفاشا للسلام الشامل(٢٠٠٥م)من ادب ٍ واعتراف بالآخرين حين احتفظت للمعارضة بنصيب معلوم ولم تغفلها في عبقريّة فريدة وتواضع مبذول واعتراف صادق ٢٠٪_(١٤٪ التجمع الوطني بالشمال /٦٪احزاب الجنوب)..
وقعّت الحركات الكبيرة نعم وكسِبت الساحة السياسية قيادات رفيعة ومن الوزن الثقيل ذات خبرات وتجارب في العمل العام والسياسي ولعبت ولازالت أدوارًا وطنية مهمة بالمشاركة في تشكيل مستقبل البلاد وهو واجب مطلوب ؛ولكن الإتفاقيّة لم توقف الاحتراب بدافور ولا النيل الازرق ولا كردفان ونزيف الدم لم يجف والنزاع القبلي مستمر لأتفه الاسباب ولم تفلح في إقناع حركات عبدالواحد والحلو من الإنخراط في عملية السلام .. كما أحدثت خللًا لا يخطئه الا مكابر فيما يتعلّق بأنصبة الولايات الاخري من موارد الدولة في بند قسمة الثروة (المنعدمة) والوظائف العامة وما يحدثه بند الترتيبات الأمنية من عقبات محل خلاف بعد تحشيد وتجنيد أعداد ما كانت محصورة قبل التوقيع (مثل حركتي الهادي /حجر) .. فضلًا عن تعبئة الاقاليم والولايات الاخري وانتشار ثقافة التجييش حماية للحقوق وظهور تشكيلات عسكريّة لا تُحصي ولا تُعد بكل منطقة ولازال الحبل علي الجرار ..
(هذا ما كان ليكون لو إن وفدًا مهنيًا بقدرات وتجربة وعلم ودراية قاد مفاوضات السلام (من قيادات الجيش) مع أبناء الوطن من الحركات بعيدًا عن التعجّل لحصد نقاط وكسب موقف سياسي لحين ؛ وليس مكايدة سياسية ضد شريك السلطة حينها -قحط- ..
ثم إن ذات (حميدتي) الان إنقلب علي الاتفاقية التي وقّعها وقاد مفاوضاتها وقبلناها علي عيوبها .. بمباركته وإصراره وتهديده بتمرير (الإتفاق الإيطاري) المُعد فكرة وصناعة وتنفيذ من الخارج واولي إشتراطاته (تعديل إتفاقية السلام ) وحصريّة المشاركين في الحكم ؛ لسبب بسيط أيضًا مكايدة سياسية (منه) دعمًا لجماعة قحط ٣ط إستجابة لتدخلات إقليمية ودولية إعترف بها الرجل دون أدني ورع سيادي ولا كبرياء وطني ..
ولم يفِق الشعب من هول دهشته حتي هجم الجنرال المحظوظ علي قلعة (ملف اللجنة الاقتصادية) .. وتلك قصة أخري من عجائب الزمان وغرائب الأكوان؛ رئِسَ خلالها الخبير الإقتصادي علي زعمهم والمؤسس!! (دحمدوك).. ودكتور البدوي وكل منظري اللجنة الاقتصادية لقحط من أكاديميين ومهنيين ورجال أعمال ووزراء..
(ونواصل إن شاء الله )..