د.ابراهيم مصطفى حقار يكتب:هل كان إنهيار الإقتصاد السوداني ممنهجاً؟!

من المعروف أن السودان دوله غنيه بمواردها الطبيعه ومتنوعه في ثرواتها المتعددة بفضل مساحتها الواسعة وأراضيها الخصبة ومياهها الوفيرة، إلا أن الفرص لم تتوفر لإستغلال هذه الثروات وإستثمارها بطريقه مثلى بسبب غياب الرؤيه الإقتصادية الثاقبة لإدارة الموارد.

بالرغم من تلك الثروات فقد من الله على بلادنا بإستخراج البترول في تسعينيات القرن الماضي، و كان إستخراج النفط فرصة كبيره بأن تشهد بلادنا طفرة إقتصادية وتنمية بشريه وإستقراراً في الأمن وتحقيق السلام والإستقرار الإقتصادي والسياسي، وهنا يأتي دور الساسة في وضع دستور دائم يضمن التداول السلمي للسلطة حتي تنتقل بلادنا إلى مرحله جديدة تحدث خلالها نهضة ثقافية وإجتماعية وسياسية تتوج بنهضه اقتصاديه.. إن حدث ذلك وقتها حتماً سنصل إلى مصاف الدول المتقدمة.

ولكن للأسف فإن النظام السابق فقد الرؤية الإقتصادية كما فقد الإرادة الوطنية في حكم البلاد وفشل في إدارة التنوع لذا لم يتمكن من توجيه عائدات البترول وإستغلالها في تنمية الزراعة والثروة الحيوانية بإعتبارها موارد متجددة تحقق الأمن الغذائي، بالإضافة لتطوير البنيات الأساسية التي تحقق النهضة الصناعية.
عقب إستخراج البترول تدفق المستثمرون على البلاد ولكن للأسف تمت مواجهتهم بالإجراءات الإدارية القاسية والطاردة للإستثمار مما أدى لتغيير فهم الاستثمار وجعل عدد من المستثرين يغادرون البلاد إلى غير رجعة.

للأسف فقد إنشغل قادة النظام السابق بالشعارات والهتافات الجوفاء والصراع على المواقع والمناصب والمصالح الشخصية وتمكين المؤسسات الحزبية متناسين أن هنالك مسؤوليات تجاه رعاياهم تحتم عليهم إستغلال موارد الدولة لصالح التنمية والتقدم والإزدهار لصالح الشعب.

نتيجة لذلك شهد عهد الانقاذ أشتعال الحروب الأهليه في مناطق الهامش وإنفلات عقد الأمن الذي بسببه تم حرق القرى وتدمير جميع وسائل الإنتاج والحياة وتشريد الأهالي مما أدى إلى النزوح واللجوء للمعسكرات التي ظلت قائمة إلى يومنا هذا.

داخلياً تمت مواجهة الخصوم السياسية ( أحزاب المعارضة) بوسائل غير قانونية وغير مشروعة ومضايقتهم مما إضطرهم للهروب من الدولة والإحتماء بالخارج.

وبسبب الحروب توقف الإنتاج بشقيه الزراعي والحيواني في المناطق الهامش، كما قامت الإنقاذ بتهميش وتدمير المشاريع الإنتاجية كمشروع الجزيرة والمناقل وتدمير السكة حديد الخط الناقل الذي يسهم إسهاماً فاعلاً في الإقتصاد السوداني.
أخطر ماقام به نظام الإنقاذ هو تطبيق سياسات الخصخصة في المؤسسات الإقتصادية المهمة كالنقل النهري وجزء من ميناء بورتسودان الذي يعد من أكبر الموانئ بساحل بحر الأحمر فقد كان من الممكن أن يستوعب معظم دول الجوار المغلقة التي ليس لها منافذ بحرية وهذه المنطقة بموقعها (الجيواستراتيجي) يجعلها منطقة حرة وجاذبة للإستثمار الأجنبي والمحلي في كافة المجالات والأنشطة والخدمات الإقتصادية المختلفة خاصة التجارية بالإضافة للخدمات السياحية والمصرفية وخدمات التخزين والنقل التي من خلالها يتم توفير فرص عمل لآلاف السودانين مما يحد من هجرة العقول للعمل بالخارج.

أضف لذلك اللجوء لأفكار ونظريات إقتصادية (ساذجة) لا ترقى لمستوى الإصلاحات الإقتصادية لأنها كانت إصلاحات سهلة ومؤقتة وغير قادرة على مواجهة الأزمة الإقتصادية لأنها غير مرتبطة بالإنتاج، لذا ادت هذه الحلول السهلة والفاشلة لعجز في الموازنة العامة للدولة مما دفع وزير المالية للاستدانة من النظام المصرفي وطباعة نقود ورقية عبر البنك المركزي الأمر الذي زاد من إرتفاع نسبة التضخم وأحداث تشوهات إقتصادية وظهور مايسمى (بالإقتصاد السري) و(الموازي) والتهرب الضريبي وفقدان الثقة بين أصحاب الأموال والدولة ومؤسساتها المصرفية مما جعلهم يلجأؤون للإحتفاظ بأموالهم بالبيوت والمزارع إلى جانب الظواهر السالبة التي تسهم في فشل الإزدهار والنمو الإقتصادي وهي ظواهر أخلاقية وغير سوية ك(الحسد والجشع والطمع والفساد).
وهناك ثمة تساؤولات:
إذاً كيف ينهض إقتصاد بلادنا؟ألم يكن الإنهيار ممنهجاً؟
هكذا كان إنهيار الإقتصاد السوداني متدرجاً حتى إنفصال الجنوب وبعده تفاقت الأزمة الإقتصادية إلى أقصى مراحلها الأمر الذي أدى إلى ثورة الشعب السوداني بكافة قطاعاته.
بعد الإنهيار الإقتصادي سرعان ما فقدت الإنقاذ السلطة للأسباب سالفة الذكر ولأن أقدار الله لا تخيب والآن تحولت معاناة الشعب إلى قادة نظام الإنقاذ أنفسهم إذ يرزح معظمهم الآن في السجون.

بعد سقوط نظام الإنقاذ يجب أن تتحقق تطلعات الشعب السوداني وفقاً لشعارات ثورة ديسمبر المجيدة (حرية سلام وعدالة) وأن يستفاد من الأخطاء والتجارب السابقة الفاشلة وما تركه المستعمر من ورثة ثقيلة وكثيرة الأخطاء.

رغم تطلعات الشعب السوداني لمستقبل واعد إلا أن الصراعات ما زالت مستمرة ولا يوجد توافق وطني مما يؤكد أن الأزمة الاقتصادية والسياسية لم تراوح مكانها فالإقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة معالجتها تبدأ بإصلاح النظام السياسي ثم إحداث التوافق الوطني وصولاً للنهضة الاقتصادية الشاملة.

نواصل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *