بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين
إلى كل الشرفاء في بلادي
مقدمة
بعد غياب طال امده عن الفيسبوك هاأنذا أطل عليكم اليوم لأوضح الحقائق عن موضوع هجليج الذي تم طرقه كثيراً و طال الأخذ و الرد فيه بين عامة أفراد الشعب السوداني دون الإستناد إلى معلومات موثوقة من جهة رسمية ، و السبب في ذلك يرجع إلى عدم مصداقية وسائل الإعلام في ذلك الحين و تعمد المسؤولين سواءً في القوات المسلحة أو المدنيين طمس الحقائق لأغراض يعلمونها.. فظهرت الأقلام المأجورة و غيرها من أصحاب الولاء التنظيمي فكتبوا ما كتبوا عن سقوط هجليج و طعنوا و أساءوا لشخص قائد هجليج و وصفوه بأبشع الصفات التي تطعن في شجاعته و هو منها براء ، فقائد هجليج و هو كاتب المقال لم ينسحب منها و لم يقم بسحب قواته إلا بعد صدور أمر من القيادة العامة للقوات المسلحة و بموافقة رئيس الجمهورية تبعاً لقواعد و تكتيك عسكري يتم دراسته في كل المعاهد و الكليات العسكرية إذ أن الإنسحاب هو وجه من أوجه الحرب الأربعة : التقدم.. الهجوم.. الدفاع.. الإنسحاب ، و رغم أن قرار الإنسحاب في أي معركة متروك لقائد الوحدة أو التشكيل المعني فإن قرار سحب قوات هجليج قد تم إصداره من القيادة العامة للقوات المسلحة و بموافقة رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة و ليس بتصرف من قائد هجليج كما شاع في أوساط بعض الصحفيين فنشروه فنتج عن ذلك ظلم بائن ، ثم ان عملية سحب قوات هجليج لم تكن بدعة فقد سبقتها عمليات إنسحاب كثيرة و خاصةً في فترة الديموقراطية الثالثة و هي الفترة من العام ١٩٨٥ و حتى ١٩٨٩ م و تلتها عمليات أخرى حتى العام ١٩٩٣ نذكر منها على سبيل المثال إنسحاب القوات من كاجو كاجي و من نمولي و من توريت و من كبويتا و من بور و من منقلا و من مريدي ، و في مارس ٢٠١٢ اي قبل سحب قوات هجليج بأقل من شهر إنسحبت القوات من بحيرة الأبيض بكامل عتادها و كان معها عدد ١٠ دبابات تم ضمها إلى هجليج و سحبها ضمن دبابات هجليج حسب الأمر ، في كل هذه المواقع إنسحبت القوات تحت ضغط العدو و بتصرف من قادة تلك القوات وفقاً لظروف المعركة التي تفرض و تحتم ذلك، إذن عملية الإنسحاب ليست بدعة و ليست جديدة على الجيش السوداني بل كل جيوش العالم لأنها وجه من أوجه الحرب يتم القيام بها حسب ظروف المعركة ، بناءً عليه و بعد صبر طويل و حتى ابريء نفسي من ما أصابني من كلام جارح كان من واجب القيادة العامة للقوات المسلحة أن تطلب من الصحفيين الكف عن هذا الأمر بعد أن توضح لهم و لعامة الشعب السوداني انها هي من أصدرت أمر سحب القوات من هجليج و تقوم بتبرئة قائدها بدلاً من أن تصم آذانها و تترك الأمر لكل من هب و دب ليدلي بدلوه في أمر ليس من إختصاصه و لكن لا غرابة في ذلك إذ أن الأمر مقصود ضمن سياسة التخلص من شرفاء القوات المسلحة و إستبدالهم بكوادرهم الذين ينتمون إليهم حتى تكون القوات المسلحة خالصة لهم ، كما أود أن أوضح أنني لست غريباً على العمليات و ان العمليات ليست غريبة علي و قد خضتها و ظللت اخوضها منذ أن كنت برتبة الملازم أول و حتى رتبة اللواء ( ١٩٨٥ و حتى ٢٠١٢) نلت خلالها ارفع الأوسمة و الأنواط ، فقد عملت في المنطقة العسكرية الاستوائية منذ عام ١٩٨٥ و حتى العام ١٩٨٩ و في أحلك المواقف و الظروف قدت خلالها متحركات إلى نمولي و إلى ياي و إلى مربو وإلى تركاكا و قد حوصرت في جميزة قرابة الثلاث سنوات ذقنا فيها مرارة الجوع و الحصار و القصف المدفعي المستمر.. و عملت في منطقة المجلد و غرب النوير و كنت رئيساً لشعبة العمليات و التدريب و قدت فيها متحرك عزم الرجال إلى ونكاي و متحركات أخرى لتدمير معسكرات العدو.. ثم عملت في منطقة أعالي النيل قائداً للفرقة الثانية مشتركة قدت فيها آخر معركة قبل عملية إنتشار القوات.. هذا قليل من كثير… اما الشجاعة التي يتحدثون عنها فقد رضعتها من ثدي اهلي و عشيرتي و ورثتها أباً عن جد و لم اتعلمها من العسكرية بل جئت بها من اهلي و قد ظل وسامها يزين صدري طيلة خدمتي العسكرية ، لكل ما ورد وإنطلاقاً من الأمانة التي اولانا لها الله فقد قررت توضيح الحقائق للشعب السوداني صاحب الحق في كل ما يختص بسقوط هجليج اما عن إستعادتها فإني لا أسعى لأثبت و أعرِّف للشعب السوداني عن من قام بتحريرها لأن الشهود أحياء يرزقون، كما أود أن أوضح أنني لم تتم محاكمتي بسبب معركة هجليج فقد تمت محاكمتي بتهمة المشاركة في محاولة إنقلابية و ليس بسبب هجليج كما حاول البعض طمس الحقائق ، لأن الضباط الذين إنسحبوا من هجليج و هم برتب رفيعة قد تمت محاكمتهم و إبعادهم من خدمة القوات المسلحة اما انا فقد تمت ترقيتي إلى رتبة اللواء عقب إستعادة هجليج و في هجليج نفسها ، و بقيت بالخدمة العسكرية و تسلمت مهام قيادة إدارة النقل و الإصلاح و هي أكبر إدارة في القوات المسلحة لما يقارب الستة أشهر و بعدها تم إعتقالي بتهمة المشاركة في المحاولة الإنقلابية للعميد ود إبراهيم و تلك لها قصة أخرى… و الكل يعلم أنني لا انتمي لأي تنظيم سياسي أو عقدي رغم تصنيف النظام البائد لي و تخبطه ، فمرة يقولون بعثي و أخرى موال للجبهة الثورية ، هذا غير وصفي بأن شخصيتي أقوى من اللازم و تلك سِبَّة في قاموسهم و ان ولاء القوات التي اقودها لي قوي جداً و يخيفهم كثيراً لأنهم لا يحبون الأقوياء و لا الأمناء و لا الشجعان بل يهابونهم ، عموماً سأسرد الأحداث منذ إستلامي قيادة اللواء ٥٦ مشاة في هجليج و حتى صدور أمر سحب القوات من هجليج و اترك التقييم للشعب السوداني الفطن بمختلف مقاماته .
١. لقد دار لغط كثير حول أسباب سقوط هجليج و كثر الحديث و النقاش حول كيف سقطت و ما هي الأسباب و من قام بتحريرها ، فأصبح كل من يعلم و من لا يعلم يدلي بدلوه دون معرفة و دون معلومات مؤكدة إذ أن هناك تقصير من القيادة العامة حينها في توضيح الحقائق للشعب السوداني فأصبح كل ذو غرض يكتب كما يحلو له في الصحف بما يمس قائد هجليج و دون تدخل القيادة العامة رغم أن القيادة العامة هي من أصدرت الأمر بسحب القوات من هجليج و إخلائها بعد أن خدعتهم دولة جنوب السودان ممثلة في باقان اموم بعدم نيتهم الهجوم على هجليج حتى و إن تم تركها دون قوات سودانية .
٢. لا أريد الخوض في الأمور السياسية التي كانت في ذلك الحين رغم علمي و علم من يخفون الحقائق من ازلام النظام البائد عن الأسباب الحقيقية وراء سقوط هجليج أو بالأحرى تعمد إسقاطها ، إذ أن سقوطها قد سبقه تراشق إعلامي و إجتماعات بين مسؤولين من دولة جنوب السودان و السودان، فكان قرار سحب قوات هجليج سياسي في المقام الأول و تم إنزاله للقيادة العامة للقوات المسلحة لتنفيذه .
٣. اما فيما يختص بإستعادتها فقد كان هناك إتجاه بتلميع بعض الضباط الذين يتبعون تنظيمياً للنظام البائد و الحركة الإسلامية ليتبوأوا أعلى المناصب في القوات المسلحة إنطلاقاً من مشروع التمكين لهم في القوات المسلحة .
٤. في هذا السرد سأوضح الحقائق كما هي منذ إستلامي لقيادة اللواء ٥٦ مشاة مروراً بصدور أمر من القيادة العامة بسحب القوات من هجليج و إخلائها و إنتهاءً بإستعادتها دون الخوض في الأمور العسكرية البحتة و خاصةً فيما يتعلق بتوزيع القوات في هجليج رغم عدم تأثير ذلك على الإنفتاح الحالي للقوات و تبعاً لتقادم الزمن على ذلك الحدث و التغيير الذي من المفترض أن يكون قد تم في خطة الدفاع عن هجليج بعد سقوطها و إستعادتها حيث أن أمر إنفتاحها السابق معلوم لدى العدو الذي إحتلاها .
٥. أنا العميد الركن عادل الطيب الأمين محمد قائد هجليج قبل سقوطها و حين سقوطها و قائد المجموعة الأولى لإستعادتها ، و كان معي لحظة سقوطها عدد خمسة ضباط برتبة اللواء و إثنان برتبة العميد كانوا يعملون كقيادة متقدمة في هجليج رغم انهم قد تم تعيينهم من قِبَل القيادة العامة لمهام محددة في هجليج .
٦. إستلمت مهام قيادة اللواء ٥٦ مشاة بتأريخ ٦/ ٢/ ٢٠١٢ م من العقيد الركن يحي احمد النضيف، بعد التنوير الإستخباري و العملياتي و زياراتي الميدانية للمواقع ضمن منطقة المسؤولية لاحظت أن القوة قليلة جداً مقارنةً مع إتساع منطقة المسؤولية و ما تحويه من حقول للبترول ، فقمت بصياغة خطاب سري و شخصي للسيد قائد الفرقة ١٤ مشاة بكادوقلي تَلتْهُ عدة خطابات و مكالمات هاتفية أوضحت فيهاحاجة المنطقة لقوات إضافية نسبةً لأن اللواء ٥٦ مشاة لديه عدد ثلاث كتائب تعمل خارج منطقة المسؤولية مما أثر سلباً على تأمين البترول في ظل التهديدات الماثلة و المحتملة .
٧. بعد ورود معلومات مؤكدة بنية العدو الهجوم على هجليج ( مارس ٢٠١٢) تم إلحاق الكتيبة ٢٦٥ مشاة شرقية و الكتيبة ١٤٠ مشاة شمالية على هجليج على أن يتم سحبهما بعد إنجلاء الموقف ، هاتان الكتيبتان كانتا بموقع الحرازاية كإحتياط للفرقة ١٤ مشاة لمهمة خاصة بالفرقة كما افادني سيادة الفريق أحمد عبد الله النو قائد القيادة المتقدمة في كادوقلي و سيادة اللواء الركن يعقوب إبراهيم مدير إدارة العمليات البرية .. و ان هذا الإلحاق سيكون مؤقتاً
٨. بعد وصول هاتين الكتيبتين قمت بفتح الكتيبة ١٤٠ مشاة شمالية في مواقع الحمرات في الإتجاه الجنوبي الشرقي و في حقل ام بتوتو في الإتجاه الشمالي الشرقي ، و إحتفظت بالكتابة ٢٦٥ مشاة شرقية كإحتياط للقيام بالهجوم المضاد و صد الإختراق نسبةً لأهمية الإحتياط و دوره الكبير في حسم المعركة .
٩. في يوم ٢٣ مارس ٢٠١٢م صدر لي أمر من القيادة المتقدمة في كادوقلي أن أقوم بسحب كل من الكتيبة ١٤٠ مشاة شمالية و الكتيبة ٢٦٥ مشاة شرقية من هجليج إلى الحرازاية ، فأخطرت السيد قائد الفرقة ١٤ مشاة بخطورة هذا الإجراء ، خاصةً و ان الكتيبة ١٤٠ مشاة شمالية تحتل مواقع مهمة للغاية و الكتيبة ٢٦٥ مشاة شرقية تقوم بواجب الإحتياط ، إلاّ أن إصرارهم على الأمر حال دون بقائهما بهجليج حيث قوبل طلبي بالرفض القاطع ، فإنصعت للأمر و أمرت رئيس شعبة العمليات المقدم الركن عبد الرحمن عثمان الأمين بتجميع الكتيبتين و سحبهما إلى الحرازاية حسب الأوامر .
١٠. عند زيارة السيد وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين و السيد رئيس الأركان للقوات البرية إلى هجليج بتاريخ ٢٤ مارس ٢٠١٢ و كان برفقتهما السيد رئيس هيئة إستخبارات القوات البرية اللواء الركن جمال عمر و السيد قائد الفرقة ١٤ مشاة اللواء الركن بشير مكي الباهي ، قمت بتنويرهم إستخبارياً و عملياتياً بغرفة عمليات اللواء ، و بصفتي قائد للواء ٥٦ مشاة أوضحت لهم أهمية البترول بالنسبة للسودان و انه يعتبر العمود الفقري للإقتصاد السوداني ، و ذكرت لهم أن هناك مشكلة رئيسية سأقولها بكل وضوح و شفافية و أرجو عدم تفسيرها تفسيراً خاطئاً كما أرجو العمل على حلها على وجه السرعة ، و تتمثل هذه المشكلة في قلة عدد القوات بهجليج ، وان هذه القوات بهذا الحجم مقارنةً مع إتساع منطقة المسؤولية و حقول البترول المتراكمة الأطراف لا يمكنها حماية البترول و طلبت منهم عدد ٥ كتائب لفتحها كالآتي :
أ. عدد ٢ كتيبة في موقع التشوين على الحدود الدولية .
ب. عدد ٢ كتيبة في الإتجاه الشرقي لإحتوائه على عدد ٥ حقول للبترول و هو إتجاه متوقع هجوم العدو منه لقربه من مقر قيادة الفرقة الرابعة المعادية بمنطقة فارينق .
ج. عدد ١ كتيبة مشاة لتأمين خط الإمداد من هجليج إلى التشوين على الحدود الدولية .
١١. كما طلبت منهم الإبقاء على الكتيبتين ٢٦٥ مشاة شرقية و ١٤٠ مشاة شمالية و إرجاء سحبهما لحين إنجلاء الموقف ، و بعد سماعهم لهذه الطلبات إلتفت وزير الدفاع إلى رئيس الأركان برية مستفسراً عن إمكانية ذلك ، إلا أنه أجابه عن حاجتهم لهاتين الكتيبتين في مهام أخرى.، ثم إلتفت إليَّ و سألني عن كتيبة خالد بن الوليد ، فأجبته بأنها موزعة في موقعي الشهيد الفاضل و الجبوري ، فقال لي : ( يا عادل مافي عدو جاييك و انا الكتيبتين ديل عندي بيهم شغل في مكان تاني) ، كما أفاد بهذا المعنى كل من السيد وزير الدفاع و السيد رئيس هيئة إستخبارات القوات البرية.، و أمروني بتنفيذ سحب الكتيبتين ، و عند وداعهم بالمطار و هم عائدون إلى الخرطوم مسكني الفريق مصطفى عثمان عبيد رئيس أركان القوات البرية من يدي و قال لي : ( يا عادل اقولها ليك بالواضح عدو جاييك مافي.. الجماعة ديل جونا منبرشين في المفاوضات.. ثق تماماً مافي عدو جاييك) .
١٢. إنصياعاً للأمر القاضي بسحب الكتيبتين قمت بالشروع تجميع الكتيبة ١٤٠ مشاة المنفتحة في الحمرات و أم بتوتو ليتم التحرك الحرازاية في يوم ٢٦ مارس ٢٠١٢م ، إلا أنه و بعد مرور يوم واحد من زيارة وزير الدفاع و الوفد المرافق له وردت لي معلومات مؤكدة بتجمع قوات العدو بقوة سرية مشاة في بوابة السودان ، كما قام العدو بحفر خنادق شرق الردمية مقابل موقع قواتنا في الحدود الجنوبية و قام أيضاً بحفر خنادق بين موقع هذه القوات و موقعه الذي يبعد مسافة (٣٠٠) متر ، في إشارة واضحة بنيته القيام بعمل عدائي ، بناءً على ذلك قمت بدفع الكتيبة ٢٦٥ مشاة ( الإحتياط) مدعمة بفصيلة دبابات لدعم سرية التشوين ( الحدود الدولية) على أن ترتكز في مسافة واحد كلم من العدو إستعداداً لصد اي تحرك لقوات العدو و منع توغلها داخل الأراضي السودانية .
١٣. عند وصول الكتيبة ٢٦٥ مشاة مسافة واحد كلم من موقع التشوين و أثناء تحركها قام العدو بفتح نيران كثيفة من المدفعية و الدبابات و الأسلحة الأخرى على الكتيبة ٢٦٥ مشاة كما قامت قوة أخرى بالهجوم على موقع السرية بالتشوين ، و بعد قتال شرس لقواتنا إستطاعت خلاله تكبيد العدو خسائر كبيرة في الأرواح و المعدات .. حيث تم تدمير عدد ٢ دبابة ت ٧٢ و عدد ٢ عربة قتالية و الإستيلاء على دبابة بحالة جيدة ، و تحت ضغط العدو إنسحبت الكتيبة و موقع التشوين إلى الخلف في قتال تراجعي إلى لفة ميوم التي تبعد مسافة ٧ كلم من موقع التشوين شمالاً ، و منها إلى موقع الشهيد الفاضل الذي يبعد من رئاسة اللواء مسافة ١٣ كلم ، حيث قامت حركة العدل و المساواة بعدد ٤٥ عربة قتالية بالهجوم على موقع الشهيد الفاضل ، و بعد قتال شرس مع موقع الشهيد الفاضل تم دحر العدو و تدمير عدد واحد راجمة ١٠٧ مم محملة على عربة و عدد واحد عربة محملة بالدوشكا أمام الموقع في الإتجاه الجنوبي الشرقي .
١٤. بتاريخ ٢٧ مارس ٢٠١٢م و بعد ١٨ ساعة تقريباً قمت بدفع متحرك الكرامة بقيادة العميد الركن جلال محمد شيخ إدريس لإستعادة موقع التشوين على الحدود الدولية ، و كان المتحرك يتكون من الكتيبة ٢٦٥ مشاة شرقية و الكتيبة ١٤٠ مشاة شمالية و سرية من الدفاع الشعبي القومي و سرية من الكتيبة ٣٢٢ مشاة التي كانت بموقع التشوين.. إضافةً إلى القوات الصديقة ، إستطاع المتحرك الوصول إلى موقع التشوين و إستعادة الحدود الدولية بعد إزالة مقاومتين للعدو عبارة عن كمائن .
١٥. بتأريخ ٢٨ مارس ٢٠١٢م وصل إلى هجليج لجنة مكونة من عدد (٤) ضباط برتبة اللواء هم : اللواء الركن عباس نصر التوم ( مدير إدارة شؤون الرتب الأخرى) ، اللواء الركن عبد الحميد عثمان خليفة( قائد الفرقة التاسعة المحمولة جواً) ، اللواء الركن عبد الله محمود( قائد سلاح المدفعية) ، اللواء الركن آدم محمود جار النبي( قائد كلية القادة و الأركان) ، و (٢) ضابط برتبة العميد هم : العميد الركن حمد بلال و العميد الركن أشرف ، تم تكليفهم من القيادة العامة بمهام مختلفة تصب في مجملها في وضع خطة محكمة للدفاع عن هجليج من الهجوم المحتمل للعدو ، هذه اللجنة فور وصولها تم تنويرها إستخبارياً و عملياتياً ، فأوضح لي سيادة اللواء الركن عباس نصر التوم انهم حضروا لأجل وضع خطة للدفاع عن هجليج بعد إعداد تقدير موقف ، فقمت بمساعدتهم بكل ما طلبوه ، كما قمت بتسليمهم خطة الدفاع عن حقول البترول للإستعانة بها ، فقاموا بالإستعانة بلجنة الأمن لتنفيذ الخطة ، و علمت أنهم سيقومون بحفر خندق حول هجليج ، و لكنهم حتى لحظة مغادرتهم هجليج لم يتمكنوا من حفر الخندق نسبة لعدم توفر آليات ، فإكتفوا بعمل عدد (٢) برج مراقبة في كل من موقع ريحانة ٣ و موقع الشهيد الفاضل ، إذن هذه اللجنة لم تتمكن عملياً بوضع خطة للدفاع عن هجليج ، و لم تقم بأي معالجات سوى البرجين المذكورين ، و ذلك ربما يعزى لعدم توفر آليات للحفر .
١٦. بتاريخ ٢٩ مارس ٢٠١٢م قام السيد نائب رئيس الأركان للعمليات البرية الفريق الركن عبد المنعم سعد إبراهيم بزيارتنا في هجليج يرافقه وزير النفط د. عوض احمد الجاز و وزير العلوم و التكنولوجيا عيسى بشري ، و لم يحضروا إلى رئاسة اللواء خاصةً و اننا كنا نتوقع حضورهم إلى رئاسة اللواء بعد خروجنا من معركة إنتصرت فيها قواتهم المسلحة بهجليج.. و لكنهم طلبوا تنوير لهم بمقر الشركات ، في التنوير قمت بتجديد طلبي بعدد (٥) كتائب لتأمين البترول.. و بررت طلبي هذا بتوزيع منطقي لهذه الكتائب على مواقع مهمة جداً ، إلا أن طلبي للأسف الشديد قد قوبل بالرفض و التهكُّم من قِبَل د. عوض احمد الجاز حيث قال لي الجيش يجب أن يقاتل باليقين و ليس بالقوات ) ، كما علق عيسى بشري قائلاً : ( خمسة كتائب ليه ؟ بدل كل هذه الكتائب يمكنكم الإستفادة من الدفاع الشعبي المحلي ، و الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قد قاتلوا بعدد ٣١٣ فرد فقط) ، و كان ذلك أمام مسمع و مرأى السيد نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات و الذي لم يرد و إكتفى بتعليق الوزيرين ، و بعد ذلك إجتمع بنا السيد نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات بحضور قائد الفرقة و قام بتوبيخي على إعتراضي على كلام وزيري النفط و العلوم و التكنولوجيا لأنني قلت للسيد النائب : ( كان من المفترض أن لا يتدخل وزير النفط في الأمور العسكرية و خاصةً في ما يتعلق بتعادل القوى و الطلبات العسكرية) ، و طلبت منه سرعة دفع الكتائب المطلوبة تداركاً للموقف الراهن ، إلا أنه قال لي : ( اعمل تقدير موقف و ارسله لنا) ، فقلت له : ( نعم.. سأقوم بعمل تقدير موقف ، إلا أنه سيستغرق وقتاً ، و ان العدو حسب معلوماتكم يمكن أن يهجم في أي لحظة إعتباراً من الآن ، لذلك أفضل أن أكتب لسيادتك متطلبات الخطة كأمر عاجل.. و هي واضحة و تتمثل في حاجتي لعدد (٥) كتائب ثم بعدها سأرسل لكم تقدير الموقف و الخطة ، فقال لي : ( إذا حصلت حاجة حنحصلك) ، فقلت له : ( الأفضل أن نقوم بعمل وقائي خير من القيام بعمل بعد وقوع الفأس على الرأس) ، إلا أن حديثي معه لم يجد أي إستجابة .
١٧. بتأريخ ١ أبريل ٢٠١٢م قامت القوات الصديقة بالتوغل داخل أراضي جنوب السودان.. إلا أنها بعد تحركها بقليل إصطدمت مع قوة للعدو و قام العدو بالضغط عليها و مطاردتها حتى موقع تموضع قوات متحرك الكرامة بالتشوين ، و بعد إشتباك مع العدو تراجعت قوة المتحرك و القوات الصديقة إلى لفة ميوم ( ٧ كلم شمال موقع التشوين) .
١٨. عندما علمت بتراجع القوات من موقع التشوين قمت بقيادة العربات القتالية برئاسة اللواء و توجهت إلى التشوين.. و كان كل من اللواء الركن عباس نصر التوم و اللواء الركن عبد الحميد عثمان و اللواء الركن آدم محمود جار النبي قد توجهوا أيضاً إلى موقع التشوين ، إلاّ أننا وجدنا القوات قد وصلت الى لفة ميوم ( ٧ كلم شمال موقع التشوين) .
١٩. بذل السادة اللواءات و شخصي جهداً كبيراً لإعادة تنظيم القوات المنسحبة لدفعها مرة أخرى إلى موقع التشوين.. و لكن دون جدوى ، وهنا أمرني سيادة اللواء الركن عباس نصر التوم بسحب قوة المتحرك إلى موقع الشهيد الفاضل ( ١٠ كلم شمال لفة ميوم و ١٣ كلم جنوب رئاسة اللواء) ، فتم سحب القوات إلى موقع الشهيد الفاضل .
٢٠. حدثت محادثات هاتفية كثيرة بيني و بين السيد مدير إدارة العمليات برية اللواء الركن يعقوب إبراهيم إسماعيل منزول ، و في كل محادثة أجدد طلبي بعد توضيح الموقف و حاجتي لقوات للدفاع عن البترول ، و كان رده : ( اجيب ليك جيش من وين ) .
٢١. الغريب في الأمر أن كل المعلومات الواردة سواءً كانت من إستخبارات اللواء أو إستخبارات الفرقة أو إستخبارات القيادة العامة كانت تفيد بنية العدو الهجوم على هجليج من ثلاثة محاور بقصد إحتلالها ، و بالرغم من ذلك لم يكن هناك أي إستجابة في ما يختص بزيادة حجم القوات لمواجهة التهديد الماثل و المحتمل ، و رغم توجيه السيد الرئيس كما علمت بأن عمليات جنوب كردفان كوم و البترول كوم ، و رغم توجيهاته أيضاً بالإهتمام بالإتجاه الشرقي لهجليج و الذي لم تكن به قوات كافية للإنفتاح فيه ، إذ يوجد به (٥) حقول للبترول ( الحمرات، الريحانات، الفولات، ام بتوتو، بامبو ) ، إلا أننا لم نجد تغييراً في موقف القوات عدا كتيبة خالد بن الوليد التي تحتل موقع الشهيد الفاضل و الجبوري.. و كتيبتي الشرقية و الشمالية المنذرتان بالإنسحاب من هجليج .
٢٢. بتأريخ ٨ أبريل ٢٠١٢م تلقيت مكالمة هاتفية من السيد مدير إدارة العمليات برية وجهني فيها بتحريك قوات خلال ٤٨ ساعة لإستعادة موقع التشوين و بالتحديد يوم ٩ أبريل ، فإتصلت بقائد الفرقة لأخذ الأمر منه ، فقال لي : ( هل المتحرك جاهز لتنفيذ العملية؟) ، فقلت له : ( لا.. ما جاهز.. هناك بعض النواقص المتمثلة في العربات القتالية و الذخائر) ، فقال لي ارفع لي النواقص) ، و قبل أن أرفع النواقص إتصل بي اللواء الركن يعقوب مدير إدارة العمليات برية و قال لي : ( لماذا لم تقم بتحريك المتحرك) فقلت له سيادتك هناك بعض النواقص من عربات قتالية و ذخائر آربجي و المدافع ب ١٠ و Spg9 و غيرها من الإحتياجات لأن كتيبتي الشرقية و الشمالية وصلت إلينا بالبصات السياحية بدون أشرطة للرشاشات) ، فغضب مني و قال لي : ( إنت بتعجز فينا) ، ثم قفل الخط و انا اتحدث معه ، فإتصلت بقائد الفرقة و أخبرته بما دار بيني و بين اللواء يعقوب ، فقال لي : ( خلاص حرك المتحرك و انا عندي كلام مع سيادتو يعقوب) ، فأمرت قائد المتحرك العميد جلال بتشكيل المتحرك ، و قبل أن يبدأ التحرك إتصل بي قائد الفرقة و قال لي: ( مين القال ليك حرك المتحرك ، إنت بتتلقى أوامر من جهة غيري ؟ رجِّع المتحرك) ، فأخبرت اللواء عباس نصر التوم بذلك بصفته الضابط الأقدم ، فقال لي : ( خلاص رجع المتحرك لحين أوامر أخرى) ، فذهبت إلى العميد جلال و أمرته بأن يوقف التحرك (يعمل كما كنت) ، و فعلاً تم إلغاء التحرك قبل أن يبدأ.. و كان قد إتخذ تشكيل التحرك فقط ، وبعدها إجتمعت بقائد المتحرك و ضباط ركنه و قادة الكتائب و قمت بتدوين إحتياجاته و رفعها لقائد الفرقة عبر الهاتف ، إلا أنه قال لي : ( الحاجات دي مافي خليهم يتحركوا كدا) .
٢٣. بتأريخ ١٠ ابريل ٢٠١٢م ، و بأمر من السيد قائد الفرقة ١٤ مشاة اللواء بشير مكي الباهي و بحضوره شخصياً تم دفع المتحرك بقيادة العميد الركن جلال محمد شيخ إدريس لإستعادة موقع التشوين و الحدود الدولية ، هذا المتحرك كان يعاني من النقص الشديد في القوات و الذخائر المختلفة ، و قد سبق أن أبلغت سيادة اللواء الركن عباس نصر التوم ( أقدم لواء في هجليج) بذلك ، فإتصل بالسيد مدير إدارة العمليات البرية و قد سمعت سيادة اللواء عباس يقول له عبر الهاتف : ( يا سيادتك البترول الآن مؤمن ، و لا داعي لهذا المتحرك بهذا الضعف ، و أن هذا المتحرك إذا حدث له اي إنكسار فإن العدو كادوقلي ما بتوقفه) ، و بعد حديث طويل معه أنهى سيادة اللواء الركن عباس المكالمة و قال لي : ( يا عادل.. الخير في ما إختاره الله ، انا ما مقتنع بالمتحرك دا ، لكن حسب الأوامر حرِّكهُ) ، فقمت بإصدار أمر تكليف للعميد الركن جلال بالتحرك و إستعادة الحدود الدولية ، فتحرك المتحرك الساعة الحادية عشر صباحاً من يوم ١٠ أبريل ٢٠١٢م ، و قمت بنقل قيادتي إلى موقع الشهيد الفاضل لإدارة المعركة من هناك و تركت سيادة اللواء عباس و بقية السادة اللواءات في رئاسة اللواء .
٢٤. عند وصول المتحرك مسافة ٧ كلم تقريباً وقع في مقاومة كبيرة للعدو ، و قام العدو بالإلتفاف بقوات كبيرة على المتحرك بمشاركة حركة العدل والمساواة و الدبابات و المدفعية الثقيلة، و بعد قتال شرس تراجعت قوة المتحرك إلى موقع الشهيد الفاضل ، جزء قليل منها إنضم إلى موقع الشهيد الفاضل منهكة القوى ، و الجزء الأكبر واصل سيره إلى إتجاه الشمال صوب رئاسة اللواء و لم يتوقف بها بل واصل سيره إلى اتجاه الخرصانة التي تبعد مسافة ٧٠ كلم شمال هجليج .
٢٥. إستطاع العدو مواصلة ضغطه على قوة المتحرك و الوصول إلى موقع الشهيد الفاضل رغم ضرب الطيران و كان هجوم العدو على موقع الشهيد الفاضل من ثلاثة محاور بمساندة حركة العدل والمساواة و الدبابات و القصف المدفعي المركز على الموقع مما أدى إلى تدمير بعض العربات و نشوب حرائق ، و تحت ضغط العدو في معركة غير متكافئة إنسحب موقع الشهيد الفاضل إلى إتجاه الشمال دون أمر ، و عند وصولنا إلى موقع رئاسة اللواء الذي يوجد به كل من اللواء الركن عباس نصر التوم و هو الضابط الأقدم ، و اللواء الركن عبد الحميد عثمان خليفة و اللواء الركن عبد الله محمود و اللواء الركن آدم محمود جار النبي و اللواء الركن بشير مكي الباهي ( قائد الفرقة ١٤ مشاة) و العميدان حمد و أشرف ، كنت أتوقع أن تكون كل القوات المنسحبة من المتحرك و من موقع الشهيد الفاضل قد دخلت موقع رئاسة اللواء للدفاع عنه ، إلا أنني فوجئت بعدم وجود هذه القوات برئاسة اللواء كما فوجئت بعدم وجود السادة اللواءات الأربعة به ، و عندما سألت عن مكان وجودهم تمت إفادتي بأنهم ركبوا عرباتهم و توجهوا إلى الخرصانة ، و وجدت اللواء الركن بشير مكي الباهي قائد الفرقة ١٤ مشاة واقفاً و معه بعض ضباط رئاسة اللواء و رئيس شعبة إستخبارات الفرقة المقدم الركن عبد الله ادروب ، و قد كانت كل الدبابات المنسحبة من المتحرك و من موقع الشهيد الفاضل إضافةً إلى الموجودة برئاسة اللواء موجودة برئاسة اللواء ، خاصةً و أنني كنت مع آخر دبابة منسحبة رغم مطاردة العدو لنا ، كل هذه الدبابات ( ١٦ دبابة و ٣ مدرعة) إضافةً لعدد ٢ مدفع ١٣٠ مم و ٢ راجمة ١٢٢ مم ، لم تكن هناك قوة لحمايتها عدا عدد أقل من إثنين فصيلة مشاة تتبع الكتيبة ٣٢٢ مشاة ، و كما هو معلوم أن الدبابات لا تقاتل لوحدها بل تحتاج إلى قوة كافية لحمايتها .
٢٦. أبلغت السيد قائد الفرقة ١٤ مشاة و الذي كان موجوداً برئاسة اللواء بهجليج أن العدو في طريقه إلى رئاسة اللواء و ان وصول العدو إلى رئاسة اللواء في ظل عدم وجود قوة لحماية الدبابات و المدفعية هو أمراً خطيراً ، و طلبت منه إتخاذ قرار بسحب الدبابات و المدفعية و تركي انا لقيادة بقية القوة التي لا تتعدى الفصيلتان للدفاع عن رئاسة اللواء حتى آخر طلقة و آخر جندي ، فقال لي : يعني ننسحب ، فقلت له : لا ، نموت هنا بشرف ، انا اقصد سحب الدبابات و المدفعية فقط و بقائي مع بقية القوة لنيل شرف الشهادة و حتى لا تتعرض الدبابات و المدفعية للإستيلاء بواسطة العدو ، إلا أنه لم يعر كلامي اي إهتمام و ظل مرتبكاً ، و هنا تدخل رئيس شعبة إستخباراته و قال لي : يا سيادتك قول للسيد قائد الفرقة ينسحب و يمشي الخرصانة ، فقلت له : يركب يمشي وين في موقف زي دا ! ، فقام المقدم عبد الله بإحضار عربة لاند كروزر بكب و ركب فيها و جذب السيد قائد الفرقة من يده فركب السيد قائد الفرقة برفقة المقدم عبد الله ادروب في العربة و إنطلقت العربة صوب الخرصانة ليلحق السيد قائد الفرقة ١٤ مشاة و رئيس شعبة إستخباراته ببقية السادة اللواءات الأربعة في الخرصانة دون إعارتي اي إهتمام و كأن شيئاً لم يحدث ، إذن كل السادة اللواءات قد إنسحبوا إلى الخرصانة دون أمر إنسحاب من القيادة العامة و تركوني مع قوة لا تتعدي فصيلتان و دبابات تحتاج إلى قوة كبيرة لحمايتها .
٢٧. و انا في هذا الموقف إتصل عليَّ هاتفياً للسيد رئيس إستخبارات القوات البرية اللواء الركن جمال عمر مسافراً عن الموقف فأوضحت له الموقف كما هو ، و رجوته أن يعمل على إستصدار أمر بسحب الدبابات و المدفعية إلى الخرصانة حتى لا تتعرض للإستيلاء بواسطة العدو نسبةً لعدم وجود قوة لحمايتها ، بعدها إتصل سيادة الفريق الركن احمد عبد الله النو مستفسراً أيضاً، ثم سيادة الفريق أول عصمت رئيس الأركان المشتركة فأوضحت له الموقف و اقسمت له أنني سأقود بقية القوة رغم قلتها للدفاع عن رئاسة اللواء ، و طلبت منه أن يسحب الدبابات و المدفعية حتى لا تكون فضيحة للجيش السوداني بعد إستشهادنا ، إذ أن هذه الدبابات و المدفعية لا توجد قوة لحمايتها عدا اطقمها و الفصيلتان المتبقيتان ، فقال لي سيرد إليك أمر عمليات بعد قليل .
٢٨. بعد ذلك إتصل عليَّ السيد رئيس إستخبارات القوات البرية اللواء الركن جمال عمر و قال لي : أوامر السيد رئيس الأركان المشتركة أن تنسحب مع بقية القوة و الدبابات و المدفعية إلى الخرصانة ، فتم تنفيذ أمر الإنسحاب و كنت مع آخر دبابة حتى وصولنا إلى الخرصانة حيث وجدت السادة اللواءات الخمسة و قوة قليلة هناك .
٢٩. في موقع الخرصانة وجدت السادة اللواءات الأربعة و خامسهم السيد قائد الفرقة ١٤ مشاة ، و قلت للسيد قائد الفرقة أن العدو في طريقه إلى الخرصانة و طلبت منه أن يطلب قوة من القيادة العامة إضافة إلى القوة المنسحبة لإستعادة هجليج صباح الغد ، إلا أنه قال لي : انا عندي أوامر من القيادة العامة بالذهاب إلى تلودي نسبةً لوجود موقف هناك ، و فعلاً ركب عربته حوالي الساعة الحادية عشرة و النصف بعد أن إستأذن من اللواء الركن عباس نصر التوم و توجه إلى كيلك البحيرة شمالاً حيث علمت أنه بات بها و حضرت طائرة هليكوبتر صباحاً و أقلته إلى كادوقلي مقر قيادة الفرقة ١٤ مشاة التي هو قائدها .
٣٠. قوات متحرك الكرامة بقيادة العميد الركن جلال محمد شيخ إدريس و الذي تم تعيينه لإستعادة الحدود الدولية كانت غير كافية و غير ملائمة للعملية من ناحية تعادل القوى ، لأن قوة العدو كبيرة جداً ، و تتكون قوة العدو من الجيش الشعبي لجنوب السودان و قوات حركة العدل والمساواة السودانية و عدد كبير جداً من العربات القتالية و الدبابات و المدفعية الثقيلة ، و قد إستخدم العدو إسلوب الهجوم بالأمواج و إستخدم قوات كبيرة جداً بالهجوم من ثلاثة محاور و إسلوب الإلتفاف إضافةً إلى قوات أجنبية أفريقية و خبراء إسرائيليين و أمريكان حسب إفادة الأسرى من الجنوبيين و من حركة العدل والمساواة ، كما و قد سبق أن قمنا بالقبض على عدد إثنين من الأمريكان بعد الهجوم الأول و تم إرسالهم للقيادة العامة في الخرطوم ، كما إستخدم أسلحة محظورة دولياً أدت إلى إختناق عدد كبير جداً من قواتنا و كذلك إستخدم قنابل إنشطارية حسب مشاهداتي في ميدان المعركة .
٣١. الهجوم على هجليج كان سيتم تنفيذه من قبل العدو سواءً تحرك المتحرك ام لم يتحرك ، و ما يؤكد ذلك حجم قوات العدو الكبيرة و إستعدادها و تنفيذها عملية دحر متحرك الكرامة و مواصلة التقدم إلى موقع الشهيد الفاضل و من ثم إلى موقع رئاسة اللواء في سرعة كبيرة ، هذا فضلاً عن المعلومات التي كانت ترد إلينا من القيادة العامة نفسها بأن العدو ينوي الهجوم على هجليج بقوة قوامها ( ١١٠٠٠) و من ثلاثة محاور ، إذن القيادة العامة كانت تعلم بهذا الهجوم و لم تتعامل معه بالجدية المطلوبة و ذلك ربما يعزى إلى أن خدعة حكومة جنوب السودان ممثلة في باقان اموم قد إنطلت عليهم ، و قد سبق أن قال لهم أن هجليج لو تركتوها بدون جيش فنحن لا نستهدفها و ليس لنا أي نية لإحتلالها .
٣٢. إستفادت قواتنا إستفادة قصوى من إمكانياتها المتيسرة من المدفعية و الدروع و المدافع المضادة للدبابات ، كما إستفادت من الطيران بالرغم من أن هناك خسائر قد حدثت في صفوف قواتنا من جراء ضرب الطيران كما أفاد بذلك بعض ضباط المتحرك ، إلا أنه من الملاحظ إفتقار قواتنا للتدريب الكافي و خاصةً في التصويب ( التنشين) المضبوط ، و عدم تعودهم على اصوات المعركة و عدم الإستفادة من السهم الأحمر( مدفع مضاد للدبابات) نسبة لقلة خبرة مستخدميه و عدم تمكنهم من إصابة اي دبابة أو أي هدف آخر بالرغم من وضوح الأهداف المدرعة و الآليات الاخرى ، و من مشاهداتي في موقع الشهيد الفاضل أن قام أحد رماة السهم الأحمر برمي عدد ٥ صواريخ على مدرعة PTR معادية و لكنه لم يصبها ، كما أن أفراد المدرعات و خاصةً أطقم الدبابة ت ٧٢ تنقصهم الخبرة العملية في ذلك الحين و كانوا صغار سن تم إستيعابهم من حملة الشهادة السودانية .
٣٣. تم التنسيق مع القوات الصديقة ( قوات جنوبية معارضة لدولة جنوب السودان) و الدفاع الشعبي المحلي ، فتم الإبقاء على القوات الصديقة منفتحة شرق موقع الشهيد الفاضل و بالقرب منه ( يقع مسافة ١٣ كلم جنوب رئاسة اللواء و ١٧ كلم شمال الحدود الدولية) ، كما تم إشراك الدفاع الشعبي المحلي ، إلا أن الملاحظ أن القوات الصديقة لا تثبت في المعركة و تهرب بعد بداية المعركة بقليل و تنسحب إلى الخلف بالرغم من تسليحها الممتاز مما أثر سلباً على ثبات قواتنا ، اما الدفاع الشعبي المحلي فإنهم ينسحبون سريعاً إلى الخلف فور حدوث اشتباك .
٣٤. اللجنة المكونة من عدد ٤ ضباط برتبة اللواء و عدد ٢ برتبة العميد وصلت إلى هجليج و تم تنويرها إستخباراتياً و عملياتياً و قد أوضح لي سيادة اللواء الركن عباس نصر التوم رئيس اللجنة انهم حضروا لأجل وضع خطة للدفاع عن هجليج بعد إعداد تقدير موقف ، و تمت مساعدتهم بكل ما طلبوه من جانبي ، و قمت بتسليمهم خطة الدفاع عن حقول البترول للإستعانة بها ، و قاموا بالإستعانة بلجنة الأمن لتنفيذ الخطة ، و علمت أنهم سيقومون بحفر خندق حول هجليج ، و لكنهم حتى لحظة مغادرتهم هجليج لم يتمكنوا من حفر الخندق ، و إكتفوا بعمل عدد ٢ برج مراقبة في موقعين للقوات ، إذاً هذه اللجنة لم تقم عملياً بوضع خطة للدفاع عن هجليج و لم تقم بأي معالجات سوى البرجين المذكورين ، و ذلك ربما يُعزى لعدم توفر آليات للحفر خاصةً و انهم طلبوا آليات من القيادة العامة و كما علمت أن القيادة أمرتهم بالإستعانة بآليات شركات البترول و لكن الشركات كانت تحتاج لآلياتها لسير أعمالها .
٣٥. إنسحاب السادة اللواءات الخمسة بما فيهم قائد الفرقة نفسه من ساحة المعركة إلى موقع الخرصانة( ٧٠ كلم شمال هجليج) كان له تأثير سلبي بالغ على الروح المعنوية للقوات و شجعهم على الإنسحاب بعد أن تناقلوا خبر ان السادة اللواءات قد إنسحبوا ، فكانوا يقولون أن السبب الذي أدى إلى إنسحاب السادة اللواءات لا شك أنه كبير جداً ، فإذا إنسحب السادة اللواءات فماذا ننتظر ! ( من المفارقات انه بعد قيام ثورة ديسمبر المجيدة تمت ترقية و منح مخصصات رتبة الفريق للسادة اللواءات الخمسة الذين إنسحبوا من ساحة المعركة في هجليج دون أمر كما تم توظيفهم في شركات الجيش و لم تتم ترقية قائد هجليج الذي قام بسحب القوات بموجب أمر عمليات و قام بالمشاركة في تحرير هجليج بل كان قائد المقدمة في تحرير هجليج) .
٣٦. قبل سقوط هجليج بفترة زمنية كافية طلبنا عدد ٥ كتائب للدفاع عنها و لم يتم الإستجابة لهذا الطلب و كان مدير إدارة العمليات البرية اللواء الركن يعقوب إبراهيم يقول لي ( نجيب ليك جيش من وين) و عندما سقطت ارسلوا عدد ١٢ كتيبة لتحريرها !
٣٧. تدخل المدنيين النافذين في الأمور العسكرية و إنصياع بعض القادة العسكريين لتوجيهاتهم يربك الخطط و يؤدي إلى عدم أداء المهام بالصورة المطلوبة .
٣٨. قرار سحب القوات من هجليج لم يكن بتصرف من قائد هجليج بل هو أمر صادر من القيادة العامة للقوات المسلحة و بموافقة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة و تم تنفيذه بكل دقة و ببراعة تامة و لم تحدث فيه اي خسائر ، و قد تمت الإشادة بقائد هجليج من قِبَل السيد رئيس الأركان المشتركة على دقة التنفيذ دون خسائر لا في الأرواح و لا في الآليات و الدبابات ، و قد ذكر أن هذه الدبابات لولا أن تم سحبها فإنها كانت ستشكل كارثة في حالة الإستيلاء عليها بواسطة العدو و ربما وصل بها إلى الخرطوم .