الحرية قيمة إنسانية وحق للإنسان ومدخل لسعادة الفرد والمجتمع ، ومفتاح للإنتاج الفكري والثقافي ومجلبة للطمأنينة العامة وقاعدة لنماء الدولة والمجتمع. وكما أن الإنسان لا يستغني عن الطعام والشراب والتنفس فهو أيضا لا يستغني عن حريته الشخصية . والاعتداء علي الحرية الشخصية جريمة عظمي وجريرة لا تغتفر. ومن أجل ذلك تصالحت المجتمعات الإنسانية علي عظم قدر الحريات، وأدرجوها في النصوص الدستورية والقوانين العامة وفي المواثيق الدولية وضمنت في حقوق الإنسان ، وجعل الدفاع عنها واجبا عاما علي المؤسسات والحكومات والافرد ، وأسندت حراستها للمؤسسات العدلية وعلي رأسها القضاء . وما تزال البشرية منذ الأزل وحتي اليوم تعاني من محاصرة الطغاة والجبابرة للحريات ومن انتهاكهم لحرية البشر واستخدامهم لشتي الوسائل الشيطانية لمصادرة الحريات واعتقال الأحرار وتغييب قيمة البشر كلما شعروا بخطر الحريات علي مقاعد الحكم . لقد ظلت هيئة المحامين للدفاع عن المحبوسين في السجون السودانية منذ اربع سنوات تعمل ليل نهار لإفشال المخطط السياسي الشيطاني لإبقاء شتي الرموز الوطنية في الحبس بلا أمد ودون مراعاة لأحكام القانون ودون وجل من رقابة المجتمع الدولي المتغافل والمتآمر ، وبالطبع دون خوف من الله . ولما أدركت هيئة الدفاع عظم وسائل الضغط السياسي علي الأجهزة العدلية وما يترتب عليه من خطر عظيم وضرر مؤكد علي حرية تلك الرموز ، قامت بواجبها لنصرة المحبوسين ظلما وعدوانا، وانتهجت في ذلك ما يتيحه لها القانون من دفوع أمام النيابة العامة وأمام القضاء، وسعت لمقابلة المسئولين عن أجهزة العدالة وتذكيرهم بواجباتهم التي يلزمهم بها القانون في اتخاذ القرار العادل والفصل الناجز . وقد صاحب هذه الحملة الظاهرة حملة سرية مناهضة من مسئولين سياسيين خططوا لبقاء المحبوسين في الحبس بلا قانون وتجاوزا لكل قيمة عليا وقيد قانوني ، واستخدموا السلطة لتحقيق أهدافهم ، حتي افضي ذلك إلي حرمان المعتقل من حقه في الحرية وحقه في الدفاع وحقه في العلاج من الأمراض ‘ وكثير منهم في سن الشيخوخة لا يستغنون عن الرعاية الصحية اليومية فقضي ستة منهم نحبهم في السجن من فقدان العلاج الطبي ، وانهار بعضهم أمام المحكمة من وهن المرض ورقد بعضهم في السجن منهك القوي . وهذه حقائق توثق في هذه الفترة القاتمة من الحكم في البلاد ، شاهدة ليست فقط علي جريمة إجهاض العدالة وإعاقتها وربما ارتكاب جرائم أكبر من ذلك ، وهي أيضا شاهدة علي تغييب قيم انسانية تعارف عليها أبناء بلادي في كل حين حاكمين ومحكومين ، منها قيمة الشهامة والرحمة والرجولة وتوقير الكبير وتجاوز الاحقاد وتناسي الضغائن والتحسب للقادم والترقب للمستقبل . أمامنا مثال حي لقضية سياسية بحتة في بلاغ ما يسمي بانقلاب ١٩٨٩. والتي يحاكم فيها نيف وعشرون متهما من قادة الإنقاذ. منهم الاخ الرئيس وقادة سياسيون وعسكريون .ولعل إجراءات هذه الدعوي امتدت لأربع سنوات إلا قليلا ، وتعد أطول محاكمة في التاريخ من حيث المدة رغما عن أن بينات الاتهام محصورة في عدد قليل من الشهود ولا تحتاج لأكثر من اسابيع . ولكن طيلة هذه السنوات ظل المتهمون في الحبس بحيث لو أدين المتهمون فيها فإن عقوبة السجن فيها لا تجاوز هذه المدة، فهم الآن معاقبون دون إدانة جنائية ، ورغما عن أن معظم المتهمين لم ترد في شأنهم أي بينات تقتضي بقاءهم يوما واحدا في الحبس . وقد زاد الخطب ضغثا علي إبالة بعد الزلزال الناتج عن الإفادة التي أدلي بها رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير في استجوابه وتحمله مسئولية تفجير ثورة الإنقاذ الوطني. وقد اعقب ذلك تعطيل المضي في المحاكمة بعد انتهاء مدة رئيس المحكمة وإحالته للتقاعد . وكان يمكن تمديد المدة له لحين الانتهاء من المحاكم ، كما يحدث عادة في مثل هذه الأحوال. وقد علمنا بتعطيل المحاكمة لحين إيجاد قاض يتولي رئاستها . وقد راج أن قضاة اعتذروا عن تولي المسئولية في المحاكمة . وقطعا سيكون من سعوا لفتح البلاغ في غاية السعادة إذ سيبقي خصومهم السياسيين في السجن نضع سنين دون محاكمة . بذا قضت الأيام ما بين أهلها . هذه الحقائق ستظل لهبا يشوي ضمائر القائمين علي السلطة في بلادنا وستكون أدلة جنائية علي من يليه الأمر ظاهرا وباطنا . وإذ نعلم أن السلطة ظل زائل وأمد محدود وامتحان للكل ، وإذ لا نرضي لمسئول في بلادنا ولاه الله علينا أن تجره السلطة إلي جهنم وأن يترك في كرسي الحكم وصمة لا تمحي ، وإذ نعلم اى الامتحان والابتلاء مرحلة من مراحل العمر ، وأن الصبر عليها عبادة سامية و يزيل كثيرا من لأوائه وضرائه ، نهيب بأسر إخوتنا المحبوسين واحبابهم أن يلجأوا إلي الله في الدياجي ويمدوا أيديهم في ظلمة الليل البهيم إلي السميع العليم الذي يسمع دعوة المظلوم فيفتح لها أبواب السماء ويزيل عنها الحجب وهو القائل للمظلوم ” وعزتي وجلالي لانصرنك ولو بعد حين” كما ورد في الحديث القدسي . فيا أحباب إخوتي المحبوسين ويا أزواجهم ويا ابناءهم الاحباب ويا بناتهم الكريمات ارفعوا أيديكم إلي الحكم العدل في السماء ، فقد حجبت عدالة الأرض. وإني لأرجو الله حتي كأنني.
أري بجميل الظن ما الله تعالى صانع.