وقد درسنا مادة(الفلسفة السياسية ) في الجامعة على يديه جزاه الله خيرا.. عودنا على العمق الفكري في ظاهر القضايا والفلسفي في باطنها؛ وألا نبني(المسلمات والقناعات) إلا على برهان قاطع تدليلا؛ ثم جلبه إلى دائرة الوعي تذليلا للدلالة وترسيخا للقناعة بالحكم من بعد٠ وبناءا على طلبه( للنقد والنقاش) حول مقالته ( الثنائية المدمرة)٠٠ وتأسيسا على منهجه الذي علمنا إياه – ثم فارقه في مقاله المذكور حسب ملاحظتي – أستميحه لأبين بعض دلالات المفارقات في ما تراءى لي :
اولاً- لا شك أن الثنائية هي أساس الخلق وموضع الفرقان- وبرغم حديثك عن ثنائية مدمرة؛ لكن الثنائيات المعمرة ما أكثرها وأعرقها وأدائها لواجب الإعمار رغم التناقض الظاهر في شكلها أو جوهرها وهاك: الرجل – المرأة( الوجود والإعمار) السالب – الموجب (الطاقة والتصنيع).
الليل – النهار ( اللباس والمعاش).
الشرق – الغرب( الاتجاهات والحركة)٠ الصيف- الشتاء( الإيلاف والإعلاف). وعدد..ثم عدد ولا حرج أستاذي ٠
ثانياً- كما علمتنا قديما أستاذي أن كثيرا من الثنائيات لاوسط فيها مثل : الحق/ الباطل ( أمرنا الله ألانلبس الأول بالثاني؛ ولانكتم الأول ) ٠ الشجاعة/الجبن ( كذلك ) .
الجنة/ النار ( لكل فريق ) ..وغيرها
ثالثاً- بإرجاع البصر كرتين في مسببات الدمار الذي أشرت إليه..نجد أن النزاعات في داخل(اليمين) أو(اليسار) اللذين أشرت إليهما كانت أشد وأنكى من نزاعاتهما تجاه بعضهما البعض كثيرا من الأحيان؛ وللتمثيل والدلالة فحدث ولاحرج.
لذا فأحادية تسبيب الدمار (بالثنائية المذكورة) لا تكفي عند ( تفكيك وتحليل) الأدلة والبراهين وجلبها لدائرة الوعي.- لقد عالج القرآن الكريم الثنائيات (حكما وتنزيلا على الواقع) بحكمة ربانية وجدارة واقعية متسامحة حتى في (الإيمان والكفر)- ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” الكهف/٢٩ بعد أن قطع بأن الحق من رب العالمين .
٥- دواعي الدمار ليس منبعها الثنائية بل : الاستكبار – الاستعلاء – الجحود والنكران – الإقصاء المتعمد – إزدواجية المعايير ؛ وهذه الأخيرة هي أس الداء وأصل البلاء؛ لماذا؟٠٠ لأن الذين يصيحون مطالبين ب( الديمقراطية والعدالة والسلام والحرية) يجعلون هذه القيم تحت أحذيتهم؛ ثم يحركون ألسنتهم وأفواههم بها مكاءا..وبكاءا بدموع التماسيح؛ فهل سبب الدمار الثنائية إن وجدت أم فقدان القيم والأخلاق؟
٦- أخطاء تجارب البشر ( إسلاميون أو غيرهم) لن تحرك الباطل ليكتسي بثوب الحق.كما لن تجعل للناس آلهة دون العزيز المقتدر. ولن تعفي الكل من واجب إقامة دين الله وسيظلون آثمين ما لم يقم به ولو البعض؛ على أن يرضى به الكل المسلم حتما ونجاة٠
٧- بتحكيم مبدأ الأغلبية والأكثرية الذي هو أساس الديمقراطية المكين.. تسقط نظرية (الثنائية) في السودان من أساسها في بعديها السياسي والعقدي معا؛ لتحل محلها (النكرانية) و(الديكتاتورية العلمانية) المتسربلة بلباس الثنائية المزعوم.. فمال بنوعلمان يغارون إذ هيمن القرآن والإسلام على غالب أهل السودان باختيارهم؟ ٠ إن الثنائية أساس قيامها إما:( التوازي- أو التساوي- أو التقابل) ثم يقوم كل قطب بدوره وفق وزنه ومؤداه.
عدا ذلك تصبح الأقطاب خصوما يبغي بعضها على بعض كما لاترجو أستاذي؛ وليسوا ثنائية. أما أن يكون لليمين (تسعا وتسعين نعجة) في السودان..ولليسار (سخلة واحدة) ثم يقولون هذه ثنائية بل ويطالبون بكفالة التسعة وتسعين؛ فهذا لعمري في القياس بديع.
وأخيرا فإن الأبدع أستاذي تتبعك لثنائية متوهمة بعيدا عن (دائرة الوعي) التي علمتنا إياها رسما وشرحا ثم فهما ونحن في بدايات طريقنا إلى النقد الفكري والبناء الفلسفي ..فهل سئمت التوعية أم أن محاولة (الإيديولوجية ) الاستعلاء على العقيدة وتطاولها ؛ قد غيب ألقي عن كواهلنا سنة التدافع في وجه محاربي تطبيق شرع الله الحنيف٠٠ اللطيف..الشفيف الواجب على كل مسلم سواء في السودان أو غيره.
( كل المحبة والتقدير أستاذي القدير)٠ ١١/ يناير/ ٢٠٢٣م